
1- الفهم النظري لسوسيولوجيا الشباب
ملحوظة : يظل فصل ذات أهمية قصوى ، جد راهني ، وفي غيابه يظل هدا المشروع قاصرا عن تنظيم تدخله ، انه معطى تقييم أداء الشبيبة المغربية وصراعها من اجل اثباث شرعيتة مشروعها السياسي طيلة مرحلة الستينات و السبعينيات ..لدا يرجى من كل رفيق بإمكانه المساهمة في تقييم التجربة الإدلاء بوجهة نظره ليس بالضرورة في شكل مقال ..خطاطة..أفكار وعناوين ..
تمهيد
يعمل جل المثقفين و السياسيين على فهم معطى الشباب و إمكانيات تحفيزه لتجاوز دوره السلبي من منظور عبثي أو محايد ، فكتب لينين " نصوص حول الشباب "وأسالت انتفاضة 1968 مداد العديد من المهتمين ،وتفردت مجموعة " الشباب و المجتمعات " التي تشكلت من باحثين اجتماعيين في فرنسا نهاية الثمانينات بتقييم ودراسة هده الطاقة .وانغرس العديد من المتخصصين في مختلف مناحي العلوم الإنسانية في دراستها و تمحيصها : لامارك، دارون ،سانت هيلر ، مارغريت ميد ..الخ
تناولنا في عرض سابق أسميناه " مدخل في فهم جيل جديد على الأبواب "،مطلب وراهنية الفهم و البحث عن مدخل قادر على استيعاب الشباب باعتبارهم قوة التغيير الاجتماعية ، اعتبره تروتسكي مؤشرا دالا على مستويات النبض التي يقاس بها نبض الشارع -1- ورأى لينين أنهم العصا التي ستبادر إلى إنشاء المجتمع الشيوعي-2- ..وجعل ارنست مانديلا منهم الحركة التي لا وقود الثورة التي لا ينبض..
سنحاول عبر سلسلة من المقالات استعراض ، العديد من المواضيع المتعلقة بالفهم النظري و العملي لقضايا الشباب وكدا سبل تحفيزهم على المقاومة ،بل ودعوة قوى التغيير الحقيقي على الانكباب النظري و العملي في فهم محيطهم و متطلبات الجماهير ، ولغة الإحباط المهيمنة على ممارستها وسلوكياتها ، لتمارس دورها بكل وعي حقيقي ، بعيدا عن شعارات العفوية و الانتظارية و أوهام البورجوازية وخطابات التضليل الليبرالية التي تعنون الأزمات بالقدرية وبسلبية المجتمع الغير المتفاعل مع مخططاتها ..وفي دلك أيضا إشارة إلى سلبية اليسار في الاحتضان و التفاعل مع جيل كله حيوية إلا انه يتوه في بركة التيهان ، هدا اليسار العاجز اليوم عن لملمت جراحه و تجاوز ترسبات ثقافته الجامدة ، غارق حتى الوحل في إسقاط أحكام القيمة على شبيبة مغربية يعود ضعفها إلى ضعف يسار لا يملك مفاتيح التدخل الواعي ليكون سدا منيعا أمام تجدر وتغلغل الخطاب السياسي للجماعات الإسلامية الرجعية .لأن ضعف تحفيز مقدرة الشباب على التغيير هو ضعف يوحي إلى قوى التغيير الجدري في صلبها ..وبجدر الإشارة أن اغلب المنابر الإعلامية المعنية بالتغيير الاجتماعي تفتقد في سجلاتها وأرشيفاتها الإعلامية لملحقات ولتصورات عملية للانخراط وسط الشباب باعتبارهم كتلة فعل جماهيرية عريضة ، وتكتفي في أحسن الأحوال بالإيحاء غالى طرق عمل قطاعية ، دون أن تشخص الحالة الاجتماعية و السياسية و الثقافية التي تعاني منها الشبيبة المغربية وطرق وأشكال تجاوز محنتها ، مع بعض الاستثناءات التي تهم التنظيمات الدينية و الدوائر الرسمية .
1- الجيل و المجايلة ..
حينما أثيرت النقاشات داخل جمعية اطاك المغرب ، حول دور الشباب ، وبعدم تناغم جيلين شابين ، وجد البعض نفسه معنيا بطرح سؤال السن ، متى يبتدئ الشباب ومتى ينتهي ؟ ما المحددات النظرية لضبط معطى المجايلة ؟ طرح هذا السؤال مخافة الوقوع في فهم بورجوازي يختزل الصراع في صراع الأجيال عوض صراع الطبقات ، إلا أننا لم نكن في حقيقة الأمر بصدد صراع أجيال يرتبط بالأعمار من حيث كونه معطى زمني ،بل من حيث حمولتها الثقافية المهيمنة عليها ، وأزمة قوى التغيير التي كلما زاد انحطاطها توقفت عجلات تجدرها عن الدوران ، بمعنى أخر كلما عجزت عن إيجاد المداخل الحقيقية للتواصل مع شبابها كلما تعززت مصداقيتها في التغيير واستوعبت حجم الكارثة التي تنتجها ثقافة التبضيع التخريبية .
يعتقد الإغريقيون (الفلسفة اليونانية ) بأن الأعمار ليست في تناغم ،وهو ما ينفيه كارل مانهايم حينما يقول " ليس المعلم فقط هو الذي يعلم التلميذ ..التلميذ أيضا يعلم المعلم ..إن الأجيال تتأثر يبعضها البعض باستمرار .." إن صراع الأجيال من منظور ثقافي هو معطى صحيح تاريخيا ، إلا انه لا يشكل مخرجا للازمات الاقتصادية و الاجتماعية ،فهو في عمقه صراع جيل يحاول اثباث ذاته بثقافة يستلهمها من محيطه أو ينتجها كردود فعل رفضا للواقع ، وهي في عمقها نتاج طبيعي للنماذج الثقافية التي تقوم على قيم السوق ومعطياتها الرمزية،تتعدد الأشكال و القوالب إلا أن مضمونها أحادي مرتبط بطبيعة الثقافة المهيمنة على تطلعات الشباب ، وأن لكل مرحلة شبابها ، ولقد حاول كل من أوجست كونت ووليام ديلين مونتري وجوزي اورتيجا وكارل مانهايم في القرن التاسع عشر إخضاع المجايلة للمعادلة التالية :
الإقطاع ، المراهقة =الثورة ، النضج= الوضعية..
إن الشباب هم أكثر ميولا لتبني الأنماط الجاهزة والتي ذات طبيعية رفضية للسياقات السياسية العامة ، ففي الوقت الذي طغت ديكتاتورية الرقابة الستالينية ومؤسساتها في الاتحاد السوفياتي كان الشباب يستلهمون نموذجهم من ثقافة الآخر الروك و الريغي-3- ...وفي إيران يتجمع الشباب اليوم على قوالب وأشكال ثقافية تعكس طموحاته متنافيا دينيا مع المنظومة الدينية الشيعية من حيث طبيعة اللباس و العلاقات الجنسية وطبيعة المقروءات..و في فرنسا انتفض الشباب الشيوعي عبر قوالب أنتجها وابدعها الشباب واتخذوها معبرا لطموحات كصالونات الشباب و أغاني الهيبهوب ،وفي ألمانيا وايطاليا ينتظم الشباب اليوم في خلايا فاشستية تعكس رمزية هتلر، كما انه في أمريكا ينتظم الشباب في تجمعات شبيبية عبثية إباحية ذات منحى هروبي حيواني لا هوية لها ، والبعض الآخر في انتظم في تجمعات إجرامية إرهابية ليست فقط في حدود الاحتراف بل أيضا الهواية و اجترار مخلفات الرأسمال دون التخندق في موقف ما ، وفي البلدان الإسلامية ينتظم الشاب في تجمعات دينية منغلقة تحن لماضي الصحابة و الخلافة الرشيدة يطرح اليوم سؤال التصدي لمشاريع الإرهاب باسم الجهاد كمهام أنية ضد التعصب والترهيب ...ادن فلا ضرر من استيعاب معطى الهوية الذي يبحث عنه الشباب وسط عالم يقوم على تسليع القيم وينتج أدوات مقاومة وهمية أو رجعية ،أمام انغلاق الآفاق وتلكؤ القيادات المعنية بالتغيير الجدري بمبررات وأدوات تقليدية في العمل ، على أن نستحضر الجهد الجهيد الدي قامت به الأطر الشبيبية في فرنسا و انفتاح القوى الشيوعي على القوى الشابة وميولاتها الثقافية بغرض تجدير وعيها وتحفيزها على المشاركة السياسية ويمكن الاكتفاء بنموذج اوليفييه مرشح العصبة الشيوعية الثورية للرئاسة ومجالات اهتماماته وطموحات جيله ..إن طرح المجايلة واكراهاتها لا يطرح الذوبان وسط ثقافة الاستهلاك داخل أوساط الشباب والأنماط الثقافية السائدة ، بل تحفيز العمل داخلها و استقطاب فاعلية الشباب في دورات فعل غير متوقفة وغير منقطعة تسهل عملية التواصل و استفادة جيل يترنم بين ثقافة التبضيع إلى ثقافة الرفض الواعي و الممنهج ..وجميعها تشير إلى مرحلة مملوءة بالعطاء و الخصوبة و الحيوية .
2- التحديدات العمرية و التأثيرات الخارجية ..
حينما نتحدث عن الشباب ، نتحدث تحديدا عن فترتين زمنيتين غير متناغمتين شكلا ومضمونا : فسن الشباب يمتد من 15 سنة الى حدود 44 سنة و بينهما برزخ يعبر عن مرحلة انتقالية من حيث التجارب و الدروس و البناء النفسي و الجسدي والوضع الاجتماعي ونقصد بدلك بلوغ الشباب سنة الثلاثين أو ما يقاربها .. ..في الخمسة عشر سنة الأولى 15-30 (البلوغ-المراهقة- الانطلاق )يراكم فيها الشاب أولى دروس التجارب الميدانية عبر اختيارات متدبدبة ينفتح على عالم القيم و المثل، يرسم من خلاها عالم آخر يهرع إلى ربطه بالواقع بكل اندفاعية وتهور ، فيصطدم فيها بفظاعة انعكاسات الرأسمالية المبنية على تسليع القيم و المبادئ وإخضاعهما لمتطلبات السوق وأيضا بما ينتجه هدا النظام من ردود فعل مجتمعية منظمة وغير منظمة تصقل فيها تجربته و يصلب فيها عوده ، أما الخمسة عشر سنة الثانية 30-44 (المسؤولية، النضج ، اليفاعة) سنة فيكون الشباب على موعد مع نسج واقع حنكته التجارب وهذبته دروس الحياة ، فتضفي على صفاته تحمل المسؤولية و بناء الأسر و مواجهة الواقع بكل نضح وتروي وتحسب للأخطار ...وهو ما يختلف مع التحديدات العمرية التي تختزل معطى الشباب في فترة عمرية أولية جامعة أو اعتبارها مجرد كلمة كما يعتقد بيير بورديو"إن الحدود بين الأعمار أو الشرائح العمرية حدود اعتباطية فنحن لا نعرف من أين ينتهي الشباب لتبدأ الشيخوخة ، مثلما لا يمكن أن نعرف أين ينتهي الفقر ليبدأ الغنى " ، أو مجرد نعوت (فتية- صبية-غلمان)وفق المنظومة الدينية ، بل انها مقياس عام لفترة تاريخية تزخم بالعطاء وعلى أساسها تتحدد فاعلية المجتمع وتؤشر على منحى تطوره العام..ففي الثراث الادبي العربي يقول عبد المالك الثعالبي................................................................................................................................................................................................................................................................................................
يعمل المراهق على تحديد معالم عالمه الجديد بالبحث عن قيم المثل ، وهو ما يجعله أكثر قربا من الخطاب الديني ادا ما تحدد كخطاب مهيمن بديل وارتبط في منهجيته بامتلاك المدخل الملائم لكل فترة عمرية كما ان الشباب الناشئ تحكمه الأخلاق و حسن المعاملات ، وفي محيط آخر يحكمه التمرد على معطى الرقابة و الدين ادا ما ارتبط برغبات جامحة في التخلص من عقيدة الإكراه و التقيد ، وخصوصا على مستوى ميولاته الجنسية المتفجرة، مما يؤثر في طبيعة اختياراتها بتبني كل ما هو خارج عن رقابة الأسرة وخطاب الدين و المؤسسة التربوية و التعليمية ، وتحاول الدراسات الديمغرافية بدءا من القرن السابع عشر ومنتصف القرن الثامن عشر في إطار ما أطلق عليه الانجليز ما يسمى ب " الارتمطيقا السياسية " إعطاء بعد خاص للمراهقة ، على أثره تتحدد الملامح الأولى لشخصية الفرد وتأثيرات المحيط على بنيتها وتشكلها ، بل وصف جان جاك روسو فترة المراهقة بالولادة الثانية التي :" تبدأ بندر من التغييرات في المزاج وفي الشكل وفي سحنة الوجه " -4- إنها مرحلة قصور تستوجب التدريب و الوصاية كما تستوجب الحرص على عدم تقييد قدرات المراهق وانهاكها بظوابط مجتمعية صارمة قد ينتج عنها إحداث اضطرابات نفسية وأمراض مضمرة في التعقيد (مرض hebepheriri او ما يسمى بالهروب الدائم من المنزل او مرض الكآبة المستديم ) .
يكون الشاب اقرب الى الاندماج مع هوامش محيطه العام ومحاولة تحرره من قالب المؤسسة السلطوية : العائلة –المدرسة، انه منحى عام يرسخ ثقافة الانسلاخ عن أجهزة التحكم الفوقية ، بحثا عن ثقافة هي الأقرب إلى ميولاته وطموحاته ، وكلما ازدادت رغبته في الانسلاخ عن محيطه الداخلي اتجاه المحيط الخارجي : الشارع – ثقافة الآخر..كلما ازداد انغلاقا على نفسه مرتبكا أمام اكراهات الأوضاع الاجتماعية و سؤال المسؤولية الجسيم الدي يتهدد مستقبله : أسرة-عمل-بطالة- اختيارات ثقافية إيديولوجية...والحديث عن ثقافة /عمل/ زواج.يحل بالضرورة إلى نمط الإنتاج الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي بما يشير تلقائيا إلى طبيعة الحضارة الصناعية التي انتجتها الرأسمالية ، فأنتجت معها أزمتها من بطالة وعدم استقرار اسري و تسليع للمناهج التربوية و التعليمية ، وهو ما يستوجب التوقف لدراسة تأثيرات الرأسمالية على الاستقرار الاجتماعي و النفسي ...
تشير بعض الدراسات إلى أن عدم رضي الشباب عن واقعم المدرسي ، وإحساسهم الدائم بالعزلة وعدم تلبية المؤسسات التعليمية لرغباتهم وتطلعاتهم الفكرية يعود بالضرورة إلى ضعف وعدم ملائمة المناهج و الاستراتيجيات التي تتبناها المؤسسات الليبرالية ، مما يخلق نوعا من التنافر و أللاهتمام ، وهو ما أكدته دراسة قام بها ستانلي هال عالم النفس الأمريكي أجريت على كل من اينشتاين ،دارون،جاليليو، نيوتن ،جون ستيوارت ميل في فترة مراهقتهم ، من خلال استحضار التركيبة النفسية و الاجتماعية و العقلية لعظام اثروا في منحى التاريخ ، خلص فيها إلى وجود قصور حاد في المناهج المدرسية وان القصور لا يعود إلى العقل البشري بل إلى عدم قدرة المناهج التي تنتجها الحضارة الصناعية عن تحفيز العقل البشري على الإبداع و التكيف، و بالرغم ما وصلت إليه من تكلنلوجيا و علوم إنسانية ترى مارجريت ميد وهي متخصصة في ع الانتربولوجيا أن مرد دلك يعود إلى نظام تقسيم العمل و تعدد الثقافات و الإيديولوجيات و ميل الرأسمالية إلى تسليع الحياة البشرية مما يساهم في إحداث اضطرابات نفسية مؤثرة في الاستقرار الاجتماعي و الجنسي لدى الشباب ، واعتمدت في تأكيد دلك على دراسة ميدانية أجرتها على مجتمعات بدائية SMOA(مجموعة جزر تقع في نيوزيلندا واستراليا وهاواي يخضع بعضها للإدارة الأمريكية ) ومجتمعاتMANUS(جزرالادمير تابعة لغينيا في الشمال الشرقي لأستراليا من أصل بولييزي ) ولاحظت أن مجتمعات السامو يتصف شبابها بالتحرر و الانطلاق ناتج عن حياة طبيعية مستقرة لمختلف الأعمار ، فلا معنى لوجود فقر وغنى ..الخ مجتمع لا يؤمن بالهرمية ، كما أنهم يمارسون حياتهم الجنسية بكل حرية في غياب أي وازع ديني أو معتقدي لا يؤثر في علاقاتهم تعصب ديني أو عرقي بالنظر إلى غياب معطى تعدد الاختيارات الثقافية أو الإيديولوجية ..وتخلص ميد إلى أن الشباب كلما ازداد حجم التأثيرات الخارجية كلما ازداد الارتباك و الاضطرابات النفسية و الاجتماعية .
1- تروتسكي : نصوص حول تجدر الجماهير " دائما يبدأ تجدر الجماهير من الشباب ودائما يعني تجدر الشباب تعزيزا للجناح الأكثر كفاحية والأكثر حزما".
2- لينين خطاب ألقي في المؤتمر الثالث لاتحاد الشبيبة الشيوعي لعامة روسيا في 2 تشرين الأول: البرافدا ، الأعداد من 221 إلى 227 من تشرين الأول ـ أكتوبر 1920 لينين . المؤلفات ، الطبعة الروسية الخامسة ، المجلد 41 ص 298 ـ 318.
3- ارنست مانديلا : انهيار الاتحاد السوفيتي
جان جاك روسو : كتاب إميل ، تربية الطفل من المهد إلى الرشد ، الباب الرابع ، ترجمة نظمي لوقا عن الشركة العربية للطباعة و النشر – القاهرة- 1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق