ادب المقاومة و المقاومين كتابات إلى كل مناضل ..إلى نفسي إحياء لمقاومتها صبرا على الآفات إلى كل صادق في هدا البلد الذي أظناه الغباء وسلطة الأفراد إلى روح الجماعة ..إلى امرأة ..إلى سمش ..إلى روح الجماعة إلى عنادي الذي علمني الرفض ودفع الضرائب إلى القلم الذي أنجب مني الكلمات وأنجبت منه المعاناة

الخميس، 16 أكتوبر 2008

ملف الازمة المالية ..الفهم والمواجهة

بيان أطاك المغرب حول الأزمة المالية العالمية

في الوقت الذي تعرف فيه الأسواق المالية العالمية تسونامي حقيقي بعد عولمة أزمة القروض العقارية Subprime الأمريكية لتشمل كافة المنتجات المالية المضرباتية و تنتقل الهزات الارتدادية إلى مجموع المؤسسات المالية العالمية الكبرى في العالم و تشهد معظم البورصات العالمية أرقاما قياسية في مستويات انخفاض مؤشراتها، سارعت الحكومات الليبرالية لانقاد أغنياء العالم على حساب دافعي الضرائب إعمالا بمدأ تشريك الخسارات و خوصصة الأرباح.

تجد، هذه الأزمة، جذورها في التوجه الليبرالي الذي فرضه أسياد العالم ، مند سنوات، و سيطرة الرأسمال المالي و مراكمة أرباح خيالية - خارج عملية الإنتاج- عبر عمليات قمار عبثية (بيع و شراء لمنتوجات مالية تعتمد على المخاطرة) إضافة إلى حرية تنقل رؤوس الأموال و إزالة كافة "الحواجز" القانونية، الاجتماعية، الانسانية والبيئية أمام مصالح المساهمين والمضاربين من أجل مضاعفة أرباحهم. كما دفعت، هذه الأزمة، أكثر المدافعين عن الليبرالية إلى التراجع عن وهم السوق المقننة من تلقاء ذاتها Marché autorégulé وأصبحو اليوم، يطالبون بضرورة تدخل الدولة من أجل إنقاذ الاقتصاد العالمي من الانهيار الكامل، بسبب "حماقات" المضاربين الماليين حسب تعبيرهم.

بالمغرب، تواصل الحكومة نهج سياسة النعامة أو "كولو العام زين" بحيت لا يتردد "المسؤولون" في التصريح بأن البلد في منأى من هذه الأزمة. و بنفاق كبير يصرحون أن ما يجعلنا بعيدين عن هذه الأزمة العالمية هو ضعف ارتباط اقتصاد البلد و بورصة الدار البيضاء بالأسواق العالمية بينما كان نفس"المسؤولين"، منذ بضعة أشهر، قبل الأزمة، ينادون بضرورة الانفتاح على الأسواق المالية العالمية للاستفادة من مزايا العولمة .

خلافا للأكاذيب الرسمية من المنتظر أن تكون للأزمة وقع بالغ على اقتصاد المغرب، الهش أصلا ، بحيت من المنتظر أن تتراجع تحويلات عمالنا بالخارج المورد الأول للعملة الصعبة الضرورية لشراء المواد الأساسية كالقمح من الخارج، من المنتظر أن يصاب قطاع السياحة بتراجع كبير، كما أنه من المنتظر أن تتراجع الاستثمارات و كذا الطلب العالمي على الفوسفاط و مشتقاته ثروة البلاد الأولى.

إننا في أطاك المغرب، عضو الشبكة العالمية لأطاك والتي لم تتوقف منذ تأسيسها، لما يزيد عن عشر سنوات، من التنبيه بالعواقب الوخيمة لعملية لبرلة الاقتصاد و ضرورة نزع سلاح الأسواق المالية و فرض قيود صارمة على حركة رأس المال وجميع المعاملات المالية وإلغاء ديون دول العالم الثالث و فرض ضريبة تصاعدية على الثروات والمعاملات المالية، نطالب ب :

  • احترام ملايين المغاربة و إخبارهم بالنتائج الحقيقية المحتملة لمثل هذه الأزمة على اقتصاد المغرب
  • وقف كل أشكال الخوصصة و تفكيك ما تبقى من المؤسسات العمومية (البريد، السكك، الفوسفاط...)
  • وقف فتح رأسمال المؤسسات العمومية على البورصة (حالة المكتب الشريف للفوسفاط) بعد اعتراف المسؤولين بخطورة الارتهان بالأسواق المالية العالمية.
  • وقف التلاعب بأموال صناديق الحماية الاجتماعية بالمغرب الموظفة من طرف صندوق الايداع و التدبير ببورصة الدار البيضاء.

ولتسليط الضوء أكثر على هذا الموضوع تنظم أطاك المغرب وفي إطار الأسبوع العالمي للتعبئة ضد الديون والمؤسسات المالية الدولية (من 12 إلى 19 أكتوبر) يومين تكوينين (18 و19 أكتوبر) بالبيضاء مع عرض لفيلم "نهاية الفقر؟" تتخللهما عروض و نقاشات حول هذه الأزمة المالية و نتائجها المحتملة على اقتصاديات شعوب العالم الثالث و من ضمنها المغرب.

عن مجلس التنسيق الوطني

الرباط في 12 أكتوبر 2008

أزمة القروض العقارية مرتفعة المخاطر، ذعر مالي وانهيار اجتماعي


الاثنين 6 تشرين الأول (أكتوبر) 2008

حسب دراسة نشرها أستاذان جامعيان، تبدي أزمة الرهن العقاري عالية المخاطر بالولايات المتحدة أوجه شبه مع أزمة ديون العالم الثالث في مطلع سنوات 80. ففي كلتا الحالتين غذى تدوير البترودولار قروضا هائلة بشروط جد تفضيلية دون مراعاة إمكان قدرة المقترضين على السداد. »في هذه المرة، […] جرى تدوير أموال هائلة في اقتصاد نام داخل حدود الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها. وهكذا تم توجيه أكثر من ألف مليار دولار نحو سوق القروض العقارية عالية المخاطر (سب- برايم)، هذه السوق التي تقوم على المقترضين الأكثر فقرا والأقل وفاءا بالولايات المتحدة«[ 1]. هذا المقال الأول مخصص لآلية أزمة ديون الرهن العقاري عالية المخاطر. ويحاول توضيح النوابض الاقتصادية لهذه الأزمة ونتائجها الاجتماعية. و يقدم لمجموعة مساهمات أخرى حول الرأسمالية الراهنة سننشرها لاحق.

يملك أكثر من ثلثي المقيمين بالولايات المتحدة اليوم مسكنهم مقابل 40% فقط أثناء الخروج من الحرب العالمية الثانية. و في الواقع يمثلون 75% من بين البيض و 48% من بين اللاتينيين و 47% من بين السود. ومع ذلك، فحسب بول جوريون، أدى هذا التطور بشكل متناقض الى عدم استقرار متزايد في السكن، لأن 50% من حاملي سندات الملكية لا يملكون فعلا سوى 10% من سكنهم، والباقي مغطى بقروض سوق الرهون العقارية [2]. زد على ذلك أن جزءا مهما منهم -»الطبقة الوسطى الزائفة« - عاجز حتى عن تحمل الأعباء الملحقة لملكيته. وليس بوسعه للخروج من هذه الوضعية سوى توقع تثمين هذه الملكية على المدى القصير: فمن 1998 إلى 2005 ارتفعت أسعار العقار بمتوسط سنوي بلغ 5%.

القروض العقارية مرتفعة المخاطر

تفاقم هذا الوضع بفعل نظام قروض الرهون العقارية بالولايات المتحدة التي كانت معدلاتها قبل الأزمة تتراوح بين 3.5 و 11% (بالنسبة لقرض لا يفوق 82% من قيمة اقتناء المسكن) ومن 5.5% إلى 17.5% (بالنسبة لقرض يصل إلى 97.5% من قيمة اقتناء المسكن) تبعا لتسعيرة المقترض، حيث أن لكل مقترض علامة قرض محسوبة بناء على تاريخه الشخصي ويعاد تقديرها مساء كل يوم عمل، وتحدد هذه العلامة ما يمثل المقترض من مخاطر تخلف عن الأداء. وبلا شك، تتاثر تلك العلامة ايضا وبشكل مباشر بانتماء المستهلكين العرقي. ويميز هذا النظام في السوق العقارية قطاعا prime (ذو التصنيف الممتاز) عن قطاع subprime (ذي مخاطر). فمثلا، في سنة 2003، أي قبل اندلاع الأزمة، كانت 1.1% من قروض الرهن ذات التصنيف الممتاز تفضي إلى حجز الملكية، مقابل 7.4% من القروض في القطاع عالي المخاطر(سب برايم).

في قطاع القرض عالي المخاطر (سب برايم)، الذي تضاعف حجمه الإجمالي 9.5 مرة بين 1994 و2003، توضع شروط التسليف بتضخيم أسعار الفائدة العادية بعلاوات مخاطرة وعلاوات »ملف« مرتفعة. وفضلا عن ذلك، في هذا القسم من السوق، حيث المؤسسات البنكية ضعيفة الانغراس (أحياء فقيرة، مناطق حضرية منكوبة، الخ)، غالبا ما يجري إبرام عقود القروض عبر سماسرة مقابل عمولات، مما يساهم في رفع كلفة القروض. تعول البنوك في الواقع على عجز زبائنها على إعمال المنافسة وعلى تحليل معنى التركيبات المعقدة المقترحة عليهم: جزاءات التسديد المعجَّل الرامية إلى منعهم من إعادة تمويل رهنهم بشروط أكثر تفضيلية؛ أسعار فائدة جد جذابة خلال السنوات الأولى والتي تؤدي -بالفعل - إلى زيادة الدين (استهلاك سلبي)؛ معدلات »جشعة« ممنوحة عمدا من أجل حجز آجل الخ..

انطلاق الأزمة

من منتصف سنة 2000 إلى سنة 2003، قلَّص البنك المركزي الأمريكي أسعار الفائدة الموجِّهة من 6.5% إلى 1% وذلك من أجل تفادي أزمة مالية ومقاومة الانحسار الاقتصادي بعد انفجار فقاعة البورصة. فقد عول إذاك بنك الاحتياط الفدرالي الأمريكي على إنعاش الاقتصاد بواسطة الاستهلاك بالتسليف. وهكذا حررت استدانة الأسر الكثيفة، المتضاعفة قيمتها بين 2000 و 2006، قدرة شرائية إضافية هائلة. فمثلا، أصبحت ستة ملايين أسرة مالكة لمسكنها باقتراضها 100% من المبالغ الضرورية، قبل مواصلة طلب سلفات على أجل القيمة المرتفعة لملكها...

وللاحتماء من إحتمال عجز عن سداد هذا المبلغ الهائل من القروض، شرعت هذه المؤسسات المقرضة من تجميع القروض وإصدار سندات صَرَفتها في الأسواق المالية، وبالخصوص في البنوك الكبيرة: كانت هذه الـ Mortgage Based Securities (منتجات مشتقة مدعومة برهون عقارية، وبشكل خاص سب برايم) تدر في الواقع فوائد تفوق بشكل واضح السندات الأخرى. ووبدرها جرى ضمانها بمنتجات مشتقة أخرى تسمى "سندات الدين الجانبية" Collateralized Debt Obligations تؤلف بين القروض الأكثر خطورة وأخرى أكثر ضمانا. لقد مكنت أمثال هذه الآليات من تصدير وتوزيع المخاطر المتزايدة باستمرار، غير أنها يسرت في الآن ذاته مضاعفة لا محدودة لهذه المخاطر مراهنة على تمويهها وتوزيعها .

وهكذا، عندما بدأ كساد السوق العقارية ثُم سقوطها بالولايات المتحدة،، منذ سنة 2006، أثار ارتفاعا سريعا في عجز سداد الديون. وعندئد قام المقرضون بحجز ملكية مئات آلاف المنازل، و رمي ساكنيها في الشارع. وبطبيعة الحال، كانت شرائح المجتمع الأكثر هشاشة، وبخاصة السود، اشد تضررا لأنها اتكلت منذ البداية على ارتفاع لانهائي لسعر العقار من أجل تمويل دائم لخدمة دينها، ناهيك عن تكاليف صيانة المنزل والاستهلاك اليومي. وهكذا، بدأ هرم القروض العظيم الذي ينيخ بثقله على هذه الشرائح يصاب بالهشاشة بسرعة كبيرة، فسارعت الأوساط المالية إلى التخلص من السندات (titres) التي أضحى مستحيلا تحديد قيمتها الخاصة...وهكذا بدأ سير الآلية التراكمية للأزمة .
جان باتو

جريدة Solidaries السويسرية
عدد 124 بتاريخ 13 مارس 2008
تعريب: جريدة المناضل-ة

نذر انهيار الحلم الأمبراطوري الأمريكي

لا يحتاج المرء إلى تقليب كتابي بول كنيدي عن "ظهور القوى العظمى وسقوطها" و"الاستعداد للقرن الحادي والعشرين", لتتأكد لديه حقيقة مقولة إن أفول الحلم الأمبراطوري الأمريكي, لم يعد مجرد تكهنات وتمارين أكاديمية صرفة وعقيمة, بقدر ما غدا فرضية قوية, إذا لم تكن بالمحصلة النهائية, ضمن السنن القادمة, التي لا مجال يذكر للمكابرة في استبعادها أو ردها أو تأجيل مداها.

إنها فرضية لطالما دفع بها منظرون كبار, من داخل الولايات المتحدة ذاتها ومن خارجها, المناهضين لمنظومة الرأسمالية والليبيرالية والسوق, كما المدافعين عنها سواء بسواء, حتى إذا ما انفجرت أزمة صيف هذه السنة, سنة ال 2008, اصطفوا جميعا حول "واقعة" أن ثمة حقا وحقيقة, خللا بنيويا, إذا لم يكن في طبيعة المنظومة إياها, فعلى الأقل في طريقة اشتغال عناصرها ومكوناتها, وتفاعل بعضهم البعض في الزمن كما في المكان.

وعلى هذا الأساس, فأيا ما يكن توصيف أو تفسير أو تبرير "أزمة العقار" الحالية, فإنها لا تخرج بالقطع, اللهم إلا في القوة والحجم, لا تخرج عن طبيعة الأزمات السابقة, التي طاولت البنوك والمصارف ومؤسسات التأمين وقطاعي التكنولوجيا والإنترنيت وما سواها, وكانت حالة إنرون أقواها بروزا وتمظهرا. كلها تنهل من معين واحد, معين العطب البنيوي الذي لازم المنظومة إياها, على الأقل منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي, وإلى حين مشارفة كبريات المؤسسات البنكية والمصرفية الأمريكية على الإفلاس الكامل والشامل.

بالتالي, فبصرف النظر عن الأسباب التقنية الكامنة خلف انفجار أزمة "الرهون العقارية", وتداعيات ذلك على الداخل الأمريكي مواطنينا ومؤسسات (وقد أوغلوا جميعا في ثقافة الاقتراض لدرجة الإدمان), كما على مستوى العالم, فإن الثابت فيما نتصور, أنها نتاج سلوك متعمد, رفع إيديولوجيا السوق لمراتب عليا, شارفت على التطرف في النظرية كما في الفعل.

وإيديولوجيا السوق المتحدث فيها هنا, لا تحيل على هذا الأخير, من منطلق كونه فضاء للتباري الحر والمنافسة, بل في كونه المحك الأول والأخير, الذي بالاحتكام إليه تقيم كل الاختيارات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها:

+ إن إيديولوجيا السوق, زمن العولمة وانفتاح الأسواق ولبرلتها, لم تقوض العلاقة بين البعد المالي والبعد الإنتاجي, الضامن لتناسقية الدورة الاقتصادية, بل جعلت الأول (البعد المالي أقصد) في حل من الثاني, يتحرك بحرية كاملة بالأسواق وبالشبكات الألكترونية, باحثا عن ربح قصير المدى, لا يضمنه البعد الإنتاجي ذي الخلفية الاقتصادية الخالصة.

إن تداعيات ذات التقويض لا يمكن ملامستها فقط من خلال واقع الاستقلالية التامة للمستوى المالي (والمضارباتي بمحصلة المطاف) عن المستوى الإنتاجي, ولكن أيضا من خلال ارتهان هذا الأخير, وتحويله إلى تابع لمنطق, لم يكن يوما منطقه لا بالجملة ولا بالتفصيل.

هو واقع كان باديا ببداية ثمانينات القرن الماضي, لكنه تقوى وبات صارخا من تاريخه, مع انتشار وتزايد مد العولمة, ثم انفجار الشبكات الألكترونية وتزايد المنتوجات اللامادية, ثم مسلسلات تحرير الأسواق, وخوصصة القطاعات العمومية, وانفجار السلع والخدمات المالية والمصرفية الجوالة والباحثة لدرجة الهوس, على الربح السريع والآني, المستبعد لقيمة المجازفة, الملازمة لعملية الإنتاج المادي, منذ الثورة الصناعية وإلى حين سبعينات القرن الماضي.

ليس من الصدف والحالة هاته أن تكون القطاعات, مكمن هذه الأنشطة وفضاءها, هي الأكثر عرضة للأزمة والإفلاس, وقد كانت كذلك من مدة, لكنه تمت التغطية عليها قصدا, في حين تبقى مستويات وقطاعات الإنتاج بمنأى وفي مأمن نسبي عن ذات الواقع.

+ وبقدر ما يرتهن البعد المالي البعد الاقتصادي, فإن إيديولوجيا السوق تدفع بمنطقها وبالآن ذاته, إلى أن تتحول النخب السياسية (التشريعية كما التنفيذية على حد سواء) إلى أداة بيد النخب المالية (وإلى حد ما الاقتصادية) تبتزها بحالات الرخاء والانتعاش, لكنها لا تتوانى في اللجوء إليها عندما يضيق الحال, أو تتغير القواعد, أو يعجز السوق على ضمان استمرارية فاعليه, تحت هذا الظرف أو ذاك الإكراه.

إن ذوات النخب (المالية تحديدا) تتذمر من تدخل الدولة بالاقتصاد, اللهم إلا إذا كان تدخلها بجهة خوصصة الأرباح وتأميم التكاليف, لكنها لا تمانع بالمرة, بل وتستجدي الدولة دون حياء أو عقدة نقص, لإخراجها من مستنقع الإفلاس, عندما يضيق الأفق وتعدم الحيلة من بين ظهرانيها.

وعلى هذا الأساس, فإن تهافت الإدارة الأمريكية لضخ 700 مليار دولار بمسالك النظام المالي والمصرفي الأمريكي, إنما يدخل بذات السياق, سياق إنقاذ النخب إياها, قبلما يكون سياق إنقاذ النظام, أو القطاعات المتسببة في الأزمة والإفلاس.

صحيح أن المنظومة برمتها قد باتت قاب قوسين أو أدنى من الانهيار, وصحيح أن خطة الإنقاذ المزمع إعمالها تطاول المظهر لا الجوهر, إلا أن استنفار جزء من المال العام لإنقاذها, إنما يتغيأ إنقاذ نخب مارست بشجع فأفلست, ويتغيأ إعادة إنتاج قواعد في اللعب, إن تهاوت فستتهاوى التركيبة برمتها.

+ ثم إن إيديولوجيا السوق لا تخجل من استعطاف القائمين على المال العام لإنقاذها, بل تجاريهم, تتماشى مع خططهم ومخططاتهم, ولا تتمنع في القبول بما يشيرون به عليها, مادامت البدائل قد انعدمت والحلول تقلصت.

قد لا يبدو أن ثمة بذات الأمر إشكال, فالدولة أيا تكن طبيعتها ومشاربها الإيديولوجية, لا تستطيع أن تجازف بمستقبل "أبطالها القوميين", سيما لو كانوا (كما الحال بالأزمة الحالية) قاعدة البنيان. لكن الإشكال إنما يبدو لنا كامنا في فلسفة اقتصاد في السوق يبدي الحساسية, أيما حساسية, إزاء تدخل الدولة, لكنه لا يخجل من تدخلها عندما يوشك على إشهار إفلاسه.

إن منطق الأمور لا يفترض ذلك بالمرة, باقتصاد بمجرد تهاوي الاتحاد السوفياتي, أعلن "الانتصار النهائي والأبدي للرأسمالية والديموقراطية الليبيرالية". إنه يفترض ترك ميكانيزمات السوق تشتغل, تجازي الأنجع إذا نجح, ولا تتدخل في مآل الأقل نجاعة, إن هم بلغوا درجة الإفلاس.

من هنا, فإن مبادرة الإدارة الأمريكية (بمباركة من الكونغرس) للدفع ب 700 مليار دولار من المال العام لتمويل "خطة الإنقاذ", لم تلق فقط استهجان جزء كبير من الأمريكيين, الحانقين أصلا على سلوك "أبطالهم", بل ودفعت بالكثيرين إلى التشكيك في طبيعة "الرأسمالية الأمريكية" ذاتها, في المنظومة الإيديولوجية المرتكزة عليها, وفي المناعة الداخلية التي تدعيها, والتي ألهمت فوكوياما لصياغة أطروحته عن "نهاية التاريخ".

ألا تشي الأزمة الحالية, كما ما سبقها من أزمات, بأن التاريخ لم ينته حقا, بل لربما بدأ من حيث بدأ الحلم الأمبراطوري الأمريكي في الأفول. إننا نزعم ذلك جازمين, على الأقل من منظور أن أمريكا لم تعد صاحبة الدور الريادي في قيادة العالم, وإلا فكيف يا ترى للربان أن يقود, وأشرعته تتلاطمها الرياح من كل صوب وحدب؟

يحيى اليحياوي: ماخود من الموقع الشخصي للكاتب

الرباط, 29 شتنبر 2008

الأزمة الاقتصادية – المالية العالمية

تضرب الاقتصاد الرأسمالي العالمي أزمة اقتصادية حادة غير مسبوقة هي الأولى من نوعها في عصر العولمة لجهة شموليتها الجغرافية والقطاعية وتأثيراتيها على البشرية. وهي ازمة تختلف عن الأزمات الرأسمالية السابقة . فهي في الوقت عينه أزمة بنيوية وقطاعية وأزمة فائض إنتاج. وبالتالي هي تؤشر الى النوعية الجديدة التي بلغها الرأسمال كعلاقة إجتماعية تتمثل في تحقيقه همينة شاملة على الانسان كنوع، وتؤشر الى مأزق هذه الهيمنة، القائمة على تشبيك كل اقتصاديات العالم واخضاعها الى الكتلة المهيمنة داخل هذا الرأسمال – أي للرأسمال الأميركي العابر.

تتجلى هذه الأزمة في تدهور أسعار الاسهم في جميع بلدان العالم وانخفاض ربحية المصارف العالمية الضخمة وفي تراجع الانتاج الصناعي وارتفاع الاسعار وخاصة أسعار الخامات والمواد الاستهلاكية وفي انهيار القطاع المالي العالمي وارتفاع البطالة. نجمت هذه الازمة عن التناقضات التقليدية التي تحرك الاقتصاد الرأسمالي. لكنها نجمت أيضاً عن التناقضات التي خلقها الموديل النيوليبرالي واستنفاد طاقة تلك السياسات التي فرضها على أطراف النظام الرأسمالي في المراكز والأطراف.

وبسبب الموقع المركزي للاقتصاد الاميركي في الاقتصاد الرأسمالي العالمي فإن مركز الهزة الآن هو الاقتصاد الاميركي الذي شكل لعدة عقود قاطرة الاقتصاد الرأسمالي العالمي والمرتبط بعرى وثيقة بمعظم إقتصاديات العالم. وبسبب هذا التشابك من المتوقع أن تنعكس الأزمة على كل الاقتصاديات العالمية بنسب متفاوتة، حتى تلك التي لم تشهد حالات تأزم، كما يتوقع أن تستمر حتى العام 2013.

أولاً- الأزمة هي أزمة بنيوية

الأزمة البنيوية تعبير عن اختلال التناسب بين القطاعات الاقتصادية. حيث يسجل قطاع ما ولأسباب مختلفة تفوقاً على القطاعات الأخرى، فيقدم منتوجاً جديداً له أهمية استثنائية، يستدعي طلباً مرتفعاً، ويجذب الاستثمارات على خلفية ارتفاع الارباح فيه، ويتوسع انتاجه. غير أنه ومع الوقت يتعدل معدل الربح ويعود التناسب الى الاقتصاد الذي ينمو بشكل متناغم نسبياً.

لكن ماشهده الاقتصاد الرأسمالي وخاصة في مراكزه الأساسية، منذ الثلث الأخير للقرن الماضي، يخرج عن هذه القاعدة. فقد أطلقت الطغمة المالية الأميركية عملية تطوير قطاع اقتصادي جديد هو قطاع المعلوماتية أو ما بات يسمى "بالاقتصاد الجديد". وذلك من أجل التصدي لقانون ميل معدل الربح للانخفاض. وقد خصصت لذلك مقادير مالية هائلة. واستندت هذه العملية الى فرضية مفادها أن انتاج تكنولوجيا معلوماتية جديدة من شأنه أن يرفع انتاجية العمل في القطاعات التقليدية مما سيدفع هذه القطاعات لشراء هذه التكنولوجيا واستخدامها، وبالتالي تحقيق مداخيل وأرباح تغطي النفقات على القطاعات الحديثة وتحقق لها أرباحاً عالية. ويشكل هذا الأمر حافزاً لجذب استثمارات أكبر وبشكل متزايد الى هذه القطاعات التي ستثور الاقتصاد الرأسمالي وتحرر الرأسمالية من الأزمات ويبعد عنها خطر الإنهيار.

لكن حساب الحقل لم يتطابق مع حساب البيدر! لم تتحقق هذه النظرية على الرغم من التطور التكنولوجي الذي تحقق خلال هذه الحقبة. لم يؤد إدخال التكنولوجيا الى رفع انتاجية العمل كما كان متوقعاً. ولم يتم التوسع في استخدام منتوجات الاقتصادي الجديد، وبالتالي لم تعوض هذه القطاعات نفقاتها ولم تحقق الارباح الموعودة: حدث فائض انتاج في هذه القطاعات مقابل طلب محدود عليها، في ظل رسملة هائلة وارتفاع خيالي لأسعار الشركات العاملة فيها. لذلك ومنذ مطلع القرن الحالي تتعرض اسهم هذه الشركات وأسواقها لإنهيار تلو الانهيار، وتنخفض الاسعار وتحترق مليارات الدولارات الموظفة فيها. ولتقدير الخسائر في هذه القطاعات تكفي الاشارة الى حجم هذه القطاعات في الاقتصاد الأميركي وحده إذ يبلغ 30% منه.

هذا الاختلال في التناسب بين قطاعات الانتاج وعدم الوصول الى وضعية التناغم المفترضة يعود الى الفرق النوعي بين الدورات الزمنية في القطاع الحدث وفي القطاعات التقليدية، ذلك أن الاخيرة لا تجد مصلحة في استبدال متتابع لوسائل الانتاج والتكنولوجيا تماشياً مع ما تنتجه القطاعات الحديثة، لأن هذه التكنولوجيا تهترئ (تتقادم) معنوياً حتى في طور تصميمها، إذ ان عدة أجيال من الكمبيوترات ومن الاجزاء المرتبطة بها تنتج خلال فترة قصيرة يتوسع حقل المعلومات يتغير انتاج البرامج الجديدة. وكان يمكن للقطاعات التقليدية أن تماشي دينامية القطاعات الحديثة لو انها تمكنت من توسيع مقادير انتاجها بأحجام كبيرة وتحقيق الارباح الكافية لها وللقطاعات الحديثة. لكن منطق الانتاج الرأسمالي يعرقل هكذا احتمال لأنه يفترض اقتطاع القيمة الزائدة من المنتجين وهي جزء من القدرة الشرائية التي يجري تعطيلها، فتتراكم على شكل منتوجات هي تراكم الرأسمال الذي لا يجد مجالاً لتصريفه.

لقد استنفد الرأسمال كل الامكانيات التي بقيت متوفرة لديه لمواجهة قانون ميل معدل الربح للانخفاض مثل تحفيز الطلب الاستهلاكي بواسطة التسليف الرخيص واحتلال أسواق بلدان العالم الثالث وبلدان المنظومة الاشتراكية السابقة. وكان عليه ان يبحث عن مجالات توظيف جديدة فوجد في قطاعات الاقتصاد الجديد ضالته، مستنداً في ذلك الى النظام المالي العالمي، الذي كان يغرق بفوائض مالية لم تجد مجالات لتشغيلها.

ثانياً – الأزمة – أزمة القطاع المالي (أزمة مالية)

يعاني النظام المالي العالمي اليوم من أزمة حادة تهدد بكوارث حقيقية نشهد اليوم بعض مظاهرها على شكل افلاسات في بنوك ضخمة، وفي تدهور اسعار العملات الاساسية وخاصة الدولار وفي احتراق ترليونات الدولارات الموظفة في هذا القطاع وبواسطته في مجالات مختلفة.

ويعود السبب الحقيقي لأزمة هذا القطاع لتجاوزه وظيفته الأساسية – الوساطة بين الانتاج والمدخرين لتتحول الى عملية إنتاج ربح من الاموال خارج الانتاج أي في المضاربات وفي خلق الأوهام والوعود وقد أوصل قاعدة نقد – نقد الى أبعد حدودها الوهمية.

ويمتاز هذا القطاع بالموقع المركزي الذي يحتله فيه الدولار الاميركي كعملة عالمية. إذ تشكل الادخارات لدى المصارف المركزية العالمية بالدولار الجزء الرئيسي منها، كما تحقق أكثر من 50 % من الصفقات العالمية بالدولار، ناهيك عن تسعير العديد من الخامات والسلع الستراتيجية بالدولار.

قد يبدو الأمر للوهلة الاولى عادياً. لكن مقاربة عرض الدولار والطلب عليه تظهر مدى الاستغلال السافر من قبل الولايات المتحدة لشعوب العالم عبر عملتها، التي تسمح لها بتصدير أزماتها الى الخارج وحلها على حساب شعوب العالم.

جدير بالذكر أن الدولار – العملة الاميركية والمفروض عملة عالمية – يحتكر طباعته المصرف المركزي الاميركي انطلاقاً من حاجات الاقتصاد الاميركي وبدون مراعاة مصالح الدول الاخرى. بمعنى آخر، السياسة النقدية الاميركية تتحكم بالنظام المالي العالمي. ولذلك فأزمة النظام العالمي الراهنة هي نتاج طبيعي لآلية طبع النقود في أميركا وبالتالي لأزمة العملة الأميركية.

فالاحتياط الفيدرالي يطبع النقود لتلبية حاجات الحكومة الأميركية من أجل سد عجز الموازنة وخدمة دينها المتزايد. لكن المركزي الأميركي يطبع النقود أيضاً لدعم سيولة القطاع المصرفي وتمويل النفقات الفصلية وتمويل مؤسسات التسليف الحكومية بما في ذلك الصناديق العقارية ولتمويل الاستهلاك.

ولتشغيل النقود بفعالية تشكل مجمع ضخم يضم مصارف ومؤسسات التقييم وشركات الاستشارات التي تعمل على تشكيل وجهات لتوظيف الأموال منها تمويل قطاعات الانتاج الجديد والقطاعات العقارية والنفقات الاستهلاكية. وقد نجم عن هذه الممارسة هرم المديونية الهائل في الاقتصاد الاميركي الذي يتجاوز اليوم 50 ترلوين دولار في ظل حصة للاقتصاد الاميركي تبلغ 14 ترليوناً. وينمو هذا لدين بنسبة 10 % سنوياً، ومع أن حصة الناتج الاميركي 20 % من الناتج العالمي يصل الاستهلاك الاميركي الى 40% منه، مما يعني أن أميركا تعيش على حساب شعوب العالم الأخرى.

كان من شأن اغراق اقنية التدوال النقدي بالدولارات ان يؤدي الى تضخم مرتفع لكن آلية الطلب على العملة الاميركية وخاصة من قبل المصارف المركزية التي تحمل اليوم 10 مليون دولار حالت دون ذلك. لكن يبدو في السنوات الاخيرة تزايداً في وعي المستثمرين والمصارف المركزية بتدهور قيمة الدولار مما يستدعي هروباً من هذه العملة واللجوء الى عملات أخرى.

لكن العوامل المفجرة لأزمة القطاع المالي تتركز بشكل رئيسي في المضاربات التي تتخذ شكل فقاعات مالية في قطاعات مختلفة.

ثالثاً – الأزمة – أزمة قطاعات

كانت الفقاعة الاولى تلك التي اصطنعت في قطاعات الاقتصاد الجديد حيث ارتفعت اسعار اسهمها بسرعة خيالية جعلت الفارق بين القيمة الفعلية للقطاعات وبين اسعار هذه الاسهم 50 ضعفاً. ولأن آلية الازمة البنيوية حالت دون تحقيق الارباح الافتراضية انهار الهرم المالي الذي تكون في قطاعات المعلوماتية والانترنت. ثم تم العثور على مجال جديد لإنتاج فقاعة دولية هو قطاع العقارات الذي استحوذ على تسليفات هائلة للمواطنين للمتاجرة بالمساكن بدون ضمانات فعلية. فتشكلت كرة ثلج من الديون والموارد المالية الموظفة في هذا المجال والمقدرة بـ 12 ترليون دولار. وعندما حانت مواعيد سداد القروض والعجز عن ذلك، انفجرت هذه الفقاعة ودخلت المصارف في أزمة حادة.

يقدر لهذه الأزمة ان تزيل من الوجود مئات المصارف في العالم. لقد تبين أن الفوضى وانعدام الرقابة الحكومية ورعونة المدراء هي البيئة التي يعمل في ظلها القطاع المصرفي الذي يتعرض ليوم لخسائر تتجاوز ترليون دولار.

المعالجات الرسمية:

ينطلق التعامل مع هذه الأزمة من تفسيرها بأسباب نقدية ولذلك تستخدم في معالجتها أدوات مالية، ويصب الجهد لمعالجة أزمة السيولة بضخ مقادير هائلة من لاموال لشراء الاصول الراكدة وصولاً لتامين مؤسسات وصناديق بهدف إعادة رسملة المصارف المتعثرة وبثّ الروح فيها من جديد على حساب الكادحين. إنها محاولة لإيقاف النزيف دون معالجة أسبابه، ولذلك فهي فاشلة بالتأكيد.

إن المكابرة التي يحاول الرأسمال ارتكابها عبر التنكر لمنطق التطور الرأسمالي قد سقطت. كان لا بد لنيوليبرالية أن تخلي الساحة لنيو كينزية جديدة تعيد للدولة الرأسمالية ذلك الدور الذي تفرضه الأزمات – أي التدخل الواسع من أجل الحد من الفوضى وتصحيح الاختلالات ودعم الطلب لإنقاذ الرأسمالية ذاتها. وهذا ما تقوم به الدولة الرأسمالية اليوم، كأداة بيد البرجوازية الامبريالية لخدمة مصالحها.

النتائج السياسية للأزمة:

لقد تمكنت الولايات المتحدة من استغلال العالم كله اقتصادياً بآليات اقتصادية وسياسية وعسكرية مستندة الى قدراتها المادية والى الآليات المختلفة التي اعتمدتها لذلك، كما استعانت بالقوة العسكرية والاحلاف السياسية.

ويبدو أن وعياً اجتماعياً بدأ يشق طريقه في العالم بمخاطر استمرار هذا الوضع وربما كان المزاج الاوروبي الساعي لتغيير النظام العالمي المالي والاقتصادي تعبيراً عنه. إن تصريحات ساركوزي عن ضرورة وضع حد لرأسمالية المضاربات والعودة لرأسمالية انتاجية منضبطة، وتصريحات وزير المالية الالماني عن ضرورة اصلاح النظام المالي العالمي وانتهاء الهمينة الاميركية عليه مؤشرات جديدة على التغير في توازن القوى في المعسكر الغربي ناهيك عن تغيره على الصعيد العالمي لصالح قوى صاعدة جديدة مثل الصين وروسيا والبرازيل والهند.

هذا هو الاساس الذي تنبني عليه فرضية انهيار النظام العالمي الجديد وانفتاح الآفاق أمام عالم متعدد المراكز. إنه يستند لوضع حد للبلطجة الاميركية في مصادرة موارد وأسواق ومدخرات شعوب العالم. عندها فقط يمكن لديمقراطية نسبية أن تشق طريقها في العلاقات الدولية وتضع قيوداً أمام العولمة الامبريالية. غير أن هذا سيترافق بتوترات جديدة على الصعيد العالمي وربما بحروب . والأخطر من ذلك أن يترافق بديكتاتورية جديدة تمارسها القوى الامبريالية.

التأثيرات المحتملة على لبنان:

يستند النسق الاقتصادي اللبناني على الحلقة المالية التي تفترض استقدام الاموال من الخارج على شكل قروض ومساعدات وتحويلات المغتربين اللبنانيين وذلك لتمويل خدمة الدين العام والانفاق الجاري. إن الأزمة العالمية ستؤدي خلال العامين القادمين الى تجفيف مصادر هذا التمويل من جراء إرتفاع أسعار الفائدة وتراجع النشاط الاقتصادي.

فإذا ما تأكد ذلك لن يبقى أمام الحكومة اللبنانية الا المصادر الداخلية المتمثلة برفع مداخيلها بزيادة الضرئب والرسوم من جهة وتخفيض نفقاتها وخاصة النفقات الاجتماعية من جهة ثانية وهذا يعني ان مستوى معيشة اللبنانيين سيتعرض لتراجع جديد يضاف الى التراجع السابق الناجم عن تدهور المداخيل والقوى الشرائية وانعدام فرص العمل.

د. مفيد قطيش

من موقع الحزب الشيوعي اللبناني


كوارث رأسمالية تهّز كوكب الأرض / سعد محيو
بقلم سعد محيو 0000-00-00

ثلاث أزمات - كوارث كبرى تعصف بالعالم دفعة واحدة هذه الأيام:

أزمة الغذاء، أو بالأحرى الجوع، العالمية.

أزمة النظام المالي الدولي.

وكارثة تغيّر مناخ الأرض.

ثمة أم شرعية واحدة لهذه الأزمات الثلاث: الرأسمالية. لكنها أم عاقة للغاية، وشريرة للغاية. فهي ترفض الاعتراف بأمومتها لهذه الأزمات، من ناحية، وحتى حين تعترف ببعض مسؤوليتها، فهي تتهرب من البحث عن حلول جديّة لها.

إلى أين يمكن أن تقود هذه الكوارث؟

سنأتي إلى هذا السؤال بعد قليل. قبل ذلك وقفة أمام طبيعة هذه الأزمات.ونبدأ مع المعضلة المالية.

«الكازينو»

الأزمة المالية العالمية، والتي استنفر قادة الدول الصناعية السبع ومعهم قباطنة المؤسسات الاقتصادية الدولية (صندوق النقد، البنك الدولي، المصارف المركزية) كل طاقاتهم لوقف تداعياتها الكارثية لم تكن، كما ادعى البعض، مجرد أزمة عابرة سببها اضطراب سوق العقار الأميركي، أو انفصال الاقتصاد المالي عن الاقتصاد الحقيقي، أو انخفاص ثم ارتفاع أسعار الفائدة، بل هي (كما قالت «فاينانشال تايمز» الرأسمالية) أزمة بنيوية سببها الأعمق العولمة النيو - ليبرالية المنفلتة من عقالها، والفجوة التي لا تني تتوسع في داخل الدول بين الفقراء والأغنياء، والتضخم الكبير في أسعار المواد الغذائية والطاقة.

رب محتج هنا: ما الجديد في كل هذا الذي يجري؟ ألم يشهد النظام الرأسمالي مرات عديدة طيلة المئتي سنة الماضية من عمره سلسلة أزمات دورية كان يخرج منها دوماً ليس فقط سالماً، بل أقوى؟ أليست الأزمات هي تعبير عن السر الكبير الذي يمنح النظام الرأسمالي طاقته الهائلة على التجدد والانبعاث من جديد «كما مع مصاصي الدماء الذين يقومون دائماً من الموت» (على حد تعبير ماركس) وهو، أي السر،: «التدمير الخلاق»؟ بعد كل من أزمات 1876، و 1929، و 1971، و 1997 - 1998 و 2001، كان النظام الرأسمالي يعاين الدورة التقليدية انتعاش - ركود - انتعاش، ويثبَت أقدامه بعدها بشكل أفضل.

كل هذا قد يكون صحيحاً. لكن الصحيح أيضاً أن الأزمة الراهنة قد لا تشبه تماماً الأزمات السابقة. كيف؟

خلال حقبة العولمة النيو - ليبرالية التي بدأت في سبعينيات القرن العشرين، مرت المراكز الرأسمالية الكبرى بعملية «لا تصنيع» أو نزع التصنيع (deindustrialization) انتقلت بموجبها الرأسمالية الغربية من الاعتماد على الأسواق المحلية - القومية إلى الشكل المتعولم الحالي من العولمة، عبر نقل الصناعات الثقيلة الملوثة إلى الصين والهند وغيرهما. وترافق ذلك مع «تحرير» أسواق المال ونزع كل القيود المنظّمة لها، مما أدى إلى هجرة جماعية للرساميل إلى «الجنّات الآسيوية»، وأيضاً إلى تقسيم عمل دولي جديد: التكنولوجيا المتطورة، والبحث والتطوير، والسلع «الخاصة» (الخدمات المالية) في المراكز الرأسمالية، والعمليات الصناعية التقليدية في الأطراف.

هذا التطور لم يؤد فقط إلى خلق بطالة واسعة النطاق في الغرب، بل أيضاً إلى توسّع هائل للأسواق المالية التي تعولمت بسرعة، فبات القطاع المالي في بريطانيا، على سبيل المثال، مسؤولاً عن نصف النمو الاقتصادي فيها، وكذا الأمر بالنسبة للقطاع المالي - العقاري في أميركا حتى العام 2006. وكلا القطاعين اعتمدا بشكل كامل على المضاربة وليس على الاقتصاد الحقيقي.

لقد قال المحللان اليساريان جون سارغيس وتاكيس فوتوبولوس إن ظاهرة سيطرة الطبقة المالية - المصرفية، حوّلت الرأسمالية من «نظام» اقتصادي يستند إلى قواعد تنظيمية واضحة، إلى «فوضى» كازينو القمار الذي يقوم على مبدأ «المخاطرة الكبيرة لتحقيق الأرباح الكبيرة».

ومرة أخرى، هذا ليس تطوراً جديداً. لكنه مع ذلك يتضمن عامل جدة في غاية الأهمية: «الكازينو» الآن لم يعد قصراً على المراكز الرأسمالية الكبرى، بل هو أصبح «كوكبياً»، أي يطال الكرة الأرضية كلها، وأزمته الراهنة تنذر بركود وربما كساد عالميين كبيرين هذه المرة.

مرة أخرى أيضاً، قد تنجح الرأسمالية بتخطي هذه الأزمة الكبرى الجديدة، بالطبع على أشلاء عشرات ومئات ملايين صغار المستثمرين وضحايا الحروب الرأسمالية المقبلة التي ستشن للخروج من المشكلة الراهنة.

عبقرية الرأسمالية

لا أحد بالطبع على وشك التشكيك بعبقرية الرأسمالية العالمية وبقدرتها الفائقة على التطور والتأقلم.

عدوها اللدود كارل ماركس نفسه لم يستطع ذلك. وهو أسبغ عليها صفات مثل «الظاهرة التقدمية»، والحديثة، والثورية، برغم تآمره لـ «دفنها في مزبلة التاريخ».

في أوائل القرن العشرين، كانت اللازمة التي تبناها معظم المحللين والمفكرين، هي أن الرأسمالية استنفدت أغراضها وباتت مثل فيل في غرفة، وأن بديلتها الاشتراكية آتية لا محالة.

لكن المفاجأة الكبرى حدثت: الفيل بقي في الغرفة، وبديله غادرها.

وفي أواسط القرن الماضي، تنبأ العديد من الاقتصاديين بأن المستهلكين لن يستطيعوا استيعاب السلع الكثيفة التي تفرزها أدوات إنتاج رأسمالية متطورة. فإذا بالرأسمالية تفاجئهم بإنتاج الرغبات قبل السلع. فهي لم تعط المستهلكين ما يريدون، بل جعلتهم يريدون ما تعطيهم. وهذا كان انقلاباً هائلاً لا مثيل له في التاريخ.

ثم في أوائل التسعينيات، ومع بروز العولمة كنظام حياة وايديولوجيا (برغم أنها ليست شيئاً آخر غير الرأسمالية العالمية بحلة جديدة)، سرت المقولة بأن الثورة الاجتماعية العالمية آتية بسبب الفروقات الهائلة بين السوبر - أغنياء والسوبر - فقراء. الفروقات حدثت، لكن الثورة لم تقع. بدلاً منها نشأت مراكز رأسمالية ضخمة جديدة في الصين والهند، ستؤسس لاحقاً لما قد يثبت أنه أكبر تجمع للطبقات الوسطى في كل الحضارات البشرية.

ما سر هذه «العبقرية» الرأسمالية؟

رد وحيد يبدو مقنعاً: تطابق أنانية الإنسان المفرطة مع «قدسية» نظام الملكية الخاصة الذي توفّره الرأسمالية. هذا بالإضافة إلى نزعة الرأسمالية الدائمة إلى التطور والتغيّر والتوسّع.

كارثة المناخ

لكن، وبعد قول كل شيء عن إبداعات الرأسمالية، يبقى السؤال: إلى متى تستطيع هذه الأخيرة مواصلة الحياة على هذا النحو الباذخ، الذي تستنزف فيه قدرات كوكب الأرض الطبيعية، وتدفع معه الطبيعة البشرية إلى أقصى حدود توحشها الأناني؟

هذا السؤال يقودنا إلى التطرق إلى الأزمة الثانية: المناخ.

الكاتب البريطاني تيموثي آش كتب مؤخراً أن لحظة الحقيقة بالنسبة للرأسمالية العالمية أزفت، بعد أن أنضبت اقتصاداتها خلال أربعة قرون وقوداً أحفورياً احتاجت الطبيعة إلى 400 ألف سنة لتخميره، وبعد أن أدى حرق هذا الوقود إلى ظاهرة تغير المناخ.

وبما أن الرأسمالية لا تستطيع تغيير جلدها، عبر التوقف عن النمو والتوسع، فالكارثة برأيه آتية لا محالة.

هذه الحقيقة دفعت الكاتب الأميركي ألان وايزمان إلى وضع كتاب بعنوان «العالم من دوننا» الذي أثار، ولا يزال، ضجة كبرى في أميركا والعالم حملت اليافطة العريضة: «كوكب أرض بلا جنس بشري».

حاول الكاتب أن يتخيّل كيف يمكن أن يكون الكوكب الأزرق إذا ما انقرض منه الستة مليارات نسمة إما بفعل فيروسة طبيعية أو مخبرية قاتلة، أو بتأثير كويكب كذاك الذي ضرب الأرض قبل 65 مليون سنة وأدى إلى انقراض الديناصورات.

الكتاب أصبح سريعاً الأكثر مبيعاً وترجم إلى 30 لغة، وتلته برامج تلفزيونية في «ناشنال جيوغرافيك» و «هيستوري تشانيل» تحوّلت هي الأخرى إلى الأكثر مشاهدة (5 ملايين مشاهد خلال شهر(.

لكن، لماذا هذا الهوس الجماهيري بتلك الفكرة الخيالية؟ سنأتي إلى هذا السؤال بعد قليل. قبل ذلك، فلنر كيف يمكن.

أول ما سيحدث حين تكون الأرض من دون بشر هو الهبوط الكبير في مستويات التلوث. فالطائرات والسيارات، والآلات الصناعية والجرارات، ومكيفات الهواء والتدفئة على الوقود، والأسلحة المطلقة للأشعة، كلها ستزول بفعل الصدأ والتآكل، مما سيؤدي إلى توقف تغير المناخ بفعل سخونة الجو. الغابات ستستعيد ما سلبته منها الصروح الإسمنتية في المدن، والأعشاب الخضراء ستستولي على طرقات الإسفلت وجدران الأبنية، والزهور والرياحين ستكون في كل مكان. المحيطات ستتطهر من أدران التلوث، وستعود الأنهار والينابيع إلى طهرانيتها السابقة.

البشر الملوثون للبيئة لن يبق منهم من أثر، سوى تلك البصمات التي ستتركها كبسولات الفضاء «فواياجير» برقائقها الإلكترونية التي تتضمن معلومات بيانية عن الحامض الجيني البشري، والنظام الشمسي، وصوراً لأطفال ومدن، و 26 تسجيلاً موسيقياً بينها «القيثارة السحرية» لموزارت. الكبسولات ستكون قادرة على البقاء في الكون لأكثر من مليار سنة، لكنها لن تكون بالنسبة لأي حضارة فضائية تعثر عليها أكثر من تأريخ لجنس منقرض وحضارة فشلت في البقاء.

لماذا هذا الهوس بفكرة أرض بلا بشر؟

ببساطة لأن البشر قد يصبحون قريباً بلا أرض، أو بالأحرى بلا قشرة الحياة الخضراء الرقيقة التي لا تعلو سوى بضعة سنتيميترات عن سطح هذا الكوكب. القلق على مصير الحياة بات حقيقة واقعة وملموسة، ليس فقط بفضل آلاف العلماء الذين يؤكدون وجود تغيّر في المناخ بسبب التلوث الاصطناعي، بل أيضاً بفعل الأعاصير والتسونومويات والزلازل التي بلغت في السنوات الأخيرة مستويات عنف غير مسبوقة منذ آلاف السنين.

الرأسمالية، قائدة النظام الاقتصادي العالمي الراهن، غير قادرة على تغيير نفسها لوقف تغيّر المناخ. لكن، هل هي وحدها غير القادرة على تغيير جلدها؟ ماذا عن الطبيعة البشرية التي ترعى ما يسميه فرانسيس فوكوياما «الجينة الأنانية» التي هي في أساس «حرب الجميع ضد الجميع»؟ أليست هذه هي الأخرى مسؤولة؟ ولو أن البشر قنعوا بأن يراكموا قدراً معقولاً من المال يكفي لتحقيق أمنهم وتأمين سعادتهم، ألم يكن هذا سيقود إلى إلغاء الفقر والعوز في العالم، وإلى أنظمة اقتصادية أكثر رحمة بالبيئة وتأقلماً معها؟

الرأسمالية لم تكن لتزدهر وتبقى لو لم تكن تطبيقاً للشعار الشهير «كما تكونون يولّى عليكم». وهذه حقيقة يجب أن نعترف بها نحن البشر ونندم عليها أيضاً. فنحن في النهاية، وجنباً إلى جنب مع الفيروسات، نعتبر المخلوقات الوحيدة التي تدمر البيئة من حولها، في خضم صراعنا من أجل البقاء.

الرأسمالية عبقرية؟

أكيد. لكن هذا فقط لأننا نحن البشر أغبياء!

عالم جائع

نأتي الآن إلى الأزمة الأخيرة: الغذاء.

الشهر الماضي عقد قادة مجموعة الثماني الكبار قمتهم المنتظرة «للبحث في إيجاد حلول لأزمة الغذاء العالمية»، كما وعدوا.

لكن، هل سيكونون قادرين على ذلك؟

حتماً قادرون. لكنهم حتماً أيضاً غير راغبين لسبب رئيس: إنهم أساساً (أو على نحو أدق النظام الرأسمالي الذي يمثّلون)، الذين اخترعوا المشكلة. هم الخصم والحكم. فهل يطلب ممن تسبّب بالداء أن يتبرع بالدواء؟

قباطنة الرأسمالية يرمون من وراء أزمة الجوع، إلى تحويل العالم برمته إلى مختبر عضوي واحد تسيطر فيه شركات البيوتكنولوجيا العملاقة على إنتاج الطعام وتصنيعه وتطويره وتسويقه. وحين ينجزون هذا الانقلاب التاريخي، ستصبح هذه الشركات أقوى قطاع في الاقتصاد العالمي، إلى درجة أن لوبيي النفط والمجمع الصناعي - العسكري فائقي القوة، سيبدوان أمامها أشبه بدكان صغير ملحق بـ «سوبرماركتها» الكبير.

هذا الانقلاب بدأ يتحقق بالفعل عبر وسيلتين: «تحرير التجارة» وإلغاء دعم الزراعة والمزارعين في العالم الثالث الذي يضم ثلثي سكان العالم، تمهيداً (وهنا الوسيلة الثانية) لجعل هذا العالم معتمداً على كل ما تنتجه الشركات من بذور معدّلة جينياً.

آثار أقدام الانقلاب مبعثرة في كل مكان. لكنها تبدو فاقعة في بلدين أكثر من غيرهما هما المكسيك والفيليبين، لأنهما شهدتا أولى نتائج تطبيق هذه التوجهات.

جوع المكسيك لا يمكن فهمه بدون تذكّر الحقيقة بأن صندوق النقد والبنك الدوليين، حوّلا البلاد من اقتصاد مصدّر للذرة إلى مستورد لها. القصة بدأت مع أزمة الديون في ثمانينيات القرن العشرين، حين أجبرت المكسيك على توسّل الدعم المالي لخدمة ديونها. الصندوق والبنك استجابا، لكن لقاء ثمن باهظ: إزالة رسوم الضرائب الحمائية، ووقف الدعم الحكومي للسلع الزراعية. الضربة التي تلقتها الزراعة بسبب ذلك كانت قوية، لكنها لا تقارن بشيء بتلك التي وجّهت لها العام 1994، حين وضعت اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (النافتا) موضع التطبيق. إذ سرعان ما اجتاحت الذُرة الأميركية أسواق المكسيك، مما أدى إلى قصم ظهر زراعة الذُرة المكسيكية، فتحوّلت حينها المكسيك إلى مستورد صاف للمواد الغذائية. وهذا كان أمراً غريباً في بلد اكتشف الزراعة قبل خمسة آلاف سنة.

القصة نفسها تكررت في الفيليبين. قبل الأزمة الحالية، كان 10 في المئة فقط من إنتاج الأرز فيها يخضع للتجارة. لكن الأسعار تضاعفت ثلاث مرات هذا العام، وتحوّلت الفيليبين فجأة من دولة مكتفية ذاتياً في مجال الأرز، الذي هو الغذاء الرئيس في البلاد، إلى الدولة الأولى في العالم في مجال استيراده، مهما كان سعره!

ديكتاتور الفيليبين السابق ماركوس يمكن إدانته بكل الجرائم، لكن ليس بينها تجويع المزارعين. فهو قدّم لهم البذور والسماد المدعوم، والقروض الميسّرة. لكن، في عهد الحكومات الديمقراطية، ولا سيما حكومة أكينو، انقلبت الآية بعد أن انضمت الفيليبين إلى منظمة التجارة العالمية العام 1995. فقد استغل صندوق النقد وقوع البلاد في براثن الديون (26 مليار دولار)، لفرض شروطه الخاصة حول «تحرير التجارة» وإلغاء الدعم. مانيلا رضخت، فكانت النتيجة أشبه بالأعاصير: جوع ومجاعة وتراجع حاد في الإنتاج الزراعي لصالح استيراد الحبوب من أميركا.

تجارب المكسيك والفيليبين تكررت في كل أنحاء العالم، والهدف الرئيس (كما أشرنا) دمج الدول النامية في نظام معولم تسيطر على إنتاج الحبوب واللحوم المعدّة للتصدير فيه شركات متعددة الجنسيات.

ومن يتحدث بإسم هذه الشركات وينطق باسمها؟

ليس أحد آخر سوى قادة مجموعة الدول الثماني أنفسهم ،الذين يعدون الآن بحل كارثة الجوع الراهنة.

إنها حقاً كوميديا مضحكة، مثيرة للبكاء!

ثورتان

الآن: إذا ما جمعنا هذه الأزمات - الكوارث الثلاث ووضعناها في أنبوب واحد ثم عمدنا إلى خضه، علام سنحصل؟

على أحد أمرين: ثورة عالمية على الرأسمالية، أو ثورة من الطبيعة على الرأسمالية وكل البشر معاً.

المرشحون للثورة على الرأسمالية كثر:

1 - القوميون الذين سيتمسّكون بدور الدولة - الأمة ووجودها، في مواجهة العولمة الرأسمالية التي تعتبر أن دور الدولة انتهى وجاء دور الحكومة العالمية. حدث هذا من قبل مع موجة العولمة الأولى في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، حين تحدت الدول القومية الجديدة البازغة في ألمانيا واليابان نظام العولمة الذي فرضته الإمبراطورية البريطانية، مما أدى إلى نشوب الحرب العالمية الأولى وانفراط عقد النظام العالمي برمته.

2 - حركات التحرر في العالم الثالث، ولا سيما في أميركا اللاتينية والعالم الإسلامي، التي ستشكل رد فعل على القسمة العالمية الجديدة بين مجتمعات ما بعد حديثة غنية وآمنة وتتكون من 20 في المئة من سكان الأرض، وبين مجتمعات ما قبل حديثة يحكمها الفقر وتسودها الفوضى وتضم 80 في المئة من الأرضيين.

3 - الحركات الليبرالية اليسارية في الولايات المتحدة، التي ستكون طرفاً رئيساً في الحرب بين الديمقراطية والرأسمالية. هذه الحركات قد تشكّل رأس الحربة في الثورة العالمية الجديدة، بسبب التراث الديمقراطي المتجذر في أميركا.

4 - وأخيراً، التيارات الفاشية التي قد تفيد من تدمير الحدود بين الدول الذي تقوم به العولمة لإحياء الروح القومية المتطرفة ضد الأجانب والمهاجرين، ولا سيما في الدول الأوروبية الغنية.

كما هو واضح، لائحة المرشحين للتمرد كبيرة وطويلة. وهي قد تزداد كبراً وطولاً مع ازدياد حال التمزق الاجتماعي الذي تتسبب به الرأسمالية العالمية في مرحلة تطورها الراهنة.

لكن مهلاً.

كل هذه القوى المعترضة لن تتمكن لا منفردة ولا حتى مجتمعة من تشكيل خطر على الرأسمالية. فهذه جابهت من قبلُ أطرافاً متمردة أعتى بكثير من تلك الموجودة الآن، على رأسها الاشتراكية والشيوعية، وسحقتها الواحدة تلو الأخرى. وهي ستنجح الآن في إخضاع القوى الجديدة سواء بقوة السلاح أو بإغراء الاستتباع.

الجهة الوحيدة التي يمكن أن تدك أسوار القلعة الرأسمالية الحصينة هي.. الطبيعة.

كيف؟

فلنتخيّل السيناريو الآتي: مسألة تغير المناخ وارتفاع حرارة الأرض يتحولان من مادة للجدل إلى حقيقة واقعة. وهذا يترجم نفسه في سلسلة مدمرة من الأعاصير والفيضانات والأوبئة والأمراض التي تفرض اتخاذ إجراءات سريعة من كل أمم العالم لوقف عملية الاحترار وإعادة التوازن إلى الطبيعة. على رأس هذه الإجراءات تطبيق ما يطالب به الآن عدد من الاقتصاديين المتنورين: وقف النمو الاقتصادي وجعله يتوقف عند العدد صفر، وتغيير النظم الاجتماعية - الاقتصادية لجعلها تعتمد على مبدأ التضامن والتكيف مع أمنا الطبيعة، لا على قيم الربح والسيطرة على الطبيعة.

هذه الإجراء، في حال حدوثه، سيكون الرصاصة الفضية التي ستصيب من قلب الرأسمالية مقتلاً. إذ لا رأسمالية من دون توسع، ولا توسع من دون نمو بلا حدود أو قيود.

لكن السؤال الكبير هنا هو: هل سيبقى هناك بشر بعد هذه الكوارث الطبيعية الزاحفة، ليقوموا بإقامة نظام عالمي ما بعد رأسمالي متوافق مع ظروف كوكبنا الأزرق؟

سؤال مخيف، لكنه محق. محق تماماً في الواقع!



سعد محيو

مجلة الرأي الآخر: ماخود من موقع البديل السوري


ادب المقاومة و المقاومين

صورتي
مراكش, في كل نقطة حمراء, Morocco

موجة حر

موجة حر
تستمر حملة التضامن مع بارا ابراهيم المعتقل : كاتب المجموعة المحلية لاطاك افني