ادب المقاومة و المقاومين كتابات إلى كل مناضل ..إلى نفسي إحياء لمقاومتها صبرا على الآفات إلى كل صادق في هدا البلد الذي أظناه الغباء وسلطة الأفراد إلى روح الجماعة ..إلى امرأة ..إلى سمش ..إلى روح الجماعة إلى عنادي الذي علمني الرفض ودفع الضرائب إلى القلم الذي أنجب مني الكلمات وأنجبت منه المعاناة

الثلاثاء، 28 يوليو 2009

في الطريق إلى مملكة الموت "تازممارت"

هواجس مواطن مغربي , كتب تأملاته بحسرة وخجل , وهو يتابع تاريخ بلده في شهادة على العصر...؟


بقلم: يسير بلهيبة

يطل الحزن من شفا حفرة , يهوي بكل ثقله على أنفاسك يحاول خنقك, يمسك بجلباب عنقك ليستشيط الغضب , ينظر إليك بائسا مهموما : "عذرا رفيقي , فإني لا أجيد شيئا غير خنقك , أكره العطالة دون المقدرة على سفك ما تبقى من هدوئك ". فتبتسم , وتنظر إلى الحزن دامعا أو مستهزئا , تعيد رسم ملامح ابتسامة , ثم تشفق على الحزن , تمسك بقبضتي يديه على عنقك , تربث على كتفيه وتخاطبه " رويدك , رويدك , فمثلي لا يموت غيضا أو بخنق العنق ..إن مثلي لا يرى الموت إلا ألعوبة تزيد من استنساخ السؤال حول البعد و بعد البعد ..؟

الحزن و تعداد سنوات العمر , كلاهما عملة تترجم الدوافع التي من أجلها تلعب لعبة القط و الفأر, فلا أنت بالقادر على هزمه ولا بالانتصار على رفيق أنت بدونه , لا تعلم للأشياء قيمة إلا بوجوده.

هيا إذن معي رفيقي الحزن, لأصاحبك من جديد في رحلة ألم , مرض , وحدة , إحساس بالفشل ..هيا معي لألقنك درسا جديدا حول علم الأخلاق و المثل ...وليكون أول درس تتعلمه , أن العظماء هم أهم أرباب الفشل , فهم من يدعكون الحزن و الوحدة فتنساب الكلمات و اللوحات و الأرواح نسخا ثورية , تعلم المقهورين ما معنى أن تضع حدا للألم بالأمل ..وما معنى أن تجعل من قهوتك الصباحية , متعة الاكتفاء الذاتي بلدة البقاء, قيد الحياة فقط..

أيها الإله الحزن . ها أندا أقف أمامك عاريا ,لا أحمل معي هذه المرة إلا باقة أمل ,و جسد ممزقا بسهام الألم.

ها أندا أيها الإله الأمل, أقف أمامك كتمثال غير منتصب.. يكسو الهواء جنباته , وعلى إيقاع رعشة البرد, يتسلطن الإحساس بالقهر, فأرقص رقصة الموت بالبطيء, حيث الطبال ثعلب ليل يعوي .

ها أندا أعبر مرة ومن جديد , طريق الموت نحو بداية النهايات, وكلي محرقة أسئلة حول هوية الموت وجواز سفره القادم من بوابة الشرق , ودوري في اجترار الذاكرة قصد تمثل الآخرين والعابرين في صمت . تمثل تطلعاتهم وسذاجتهم الممتلئة بعظمة القسوة في سجن تازمامارات ..

نعم هنا فقط وحصريا نتابع بشغف جيل لا يعلم عن رحلة جنود وطيارين في مملكة الحزن إلا القليل ..هنا يلزمني أن أتجرد من منهجي في التحليل ومن رؤية الأشياء بعين الصراع. فأمام السجان و شدة اندماج الجلاد بحجر السلطة , يصبح الجسد الآدمي متنكرا لهويته ليندمج في عوالم بدائية , تكنس كل علامة الحضارة والقيم , ليحل معها الجلاد في أقسى صوره , حيث أقف عاجزا عن تمثل حالة إنسان من طينة هكذا بشر .

في زنزانة الموت تخيلت نفسي ,اقضي عشرون سنة من عمري وسط قارورة سجن , لا تتعدى مساحتها المتر أو المتر و النصف ,رأيت نفسي اقضي حاجاتي واقفا أو مختنقا من شدة الحر , آكل بدون فرضية اشتراط, أو وصفة لوظيفة معدة , لا شيء ينقش الكآبة إلا سحابة صمت تكسو قهوة الصباح المتسخة بتساقط الحشرات في الظلمة..رأيت نفسي أعدد الدقائق من كثرة امتلاء العمر بدقائق الحرية قبل السجن ..أما المرض فإن أول تعاقد يوقعه السجين مع ظواهر الحياة الغريبة ,فصل فريد :" قف أيها المرض فإن جسدي لا يحتمل الوهن أو العطب ".

أيها السجان شيء رتيب أن اقرأ عنك و أن انفش ريشي متعجرفا جسورا "فليسقط النظام .." وشيء أصعب أن أوقع على صك بياض خوض تجارب انقلاب حصدت منفذيها من غير علم أو بعلم , وفق تراتبية انضباط جامدة .

إلى هؤلاء الذين ظلموا في القبو , أعيد اقتباس التجربة , حيث الحقيقة, أقسى بكثير من تمثلها او محاولة استيعابها ,لان الكتابة عن الموت ليس كحقيقة اجتياز فقراته ...

حاكم تعلم العبث بالقتل و التصفية بالمكر, وإذابة الطهارة بكيمياء التجارب . يفترش المزاج و الغضب بحماقة العقل : ورمي الشرفاء في علبة بحر , وشنق الآخرين من غير قبر , و غرس المعتقلين في بطن الأرض , وخلع الأجزاء المشكلة لزينة الجسد باندثار الروح في الظلام ..لكل حامل قيمة تغيير وقع في الفخ , أو اصطيد كأرنب , وقع في مخالب ثعلب في حفلة شواء .و.سواء كنا على اتفاق أو اختلاف معهم .. لكن يبق أننا نشاركهم رهبة الموقف وحقيقة الرغبة في إيقاف جحيم تازممارت .

إلاه الحزن ماضي , يختفي ويعود , رغبة في الحفاظ على السلطة , جحيم الزنازين ,يجثم على الأجيال ويمثل نزعة الموت على الرقاب ..تازممارت بضباطها وبعساكرها..هي اليوم لا تقاس بدور رهبة النازية في محرقة اليهود, ولكنها أبشع من مجرد فكرة قد يرسمها مفكر, اللهم إن كان مختل.

أيها الإله , هذا ما عندي , أما ما عندك فإني قد علمت انك مند مدة توقفت عن الاضطلاع بمهمة الصفح إلى حين , فقد فتش ملائكتك بين دفاترهم عن جلاد مر في دواوينك , فلم يجدوا غير خلق يضع لجهنم نصيبها من تجارب الموت البطيء, أما هؤلاء الدين وصفوا جبنا بشر , فلا اعتقد أنهم تركوا لجهنم نصيبها في إحراق أو سجن احد .. لأن تازممارت تكلفت بتسعير جحيم الحد.

..إنني لست عاص ولا منحرف ولا ملحد .. لكن ألا ترى أن رجالا قضوا عشرون سنة ليس خلف الشمس , بل في قلبها يحترقون وجزء منهم التصق جسده بجدار التقادم في المعتقل , عوقبوا بغير ذنب في الحياة وتوى بعضهم الموت, والآخرون أحياء أمواتا بيننا ...

في " شهادة على العصر" علمت أن الحقيقة مجرد لعبة يتقن ذكرها من شكوا أنهم عايشوها بتفاصيلها , حتى أضحت صعبة النطق , حيث يختلط على سارد التجربة , جزئيات التذكر والخوف من انبعاث الماضي , بل في لحظات كثيرة وكأن السارد لا يزال في نفس السجن , وان الموثق "احمد منصور"مجرد راو في حلم , وأن في بضع لحظات سيستفيق , بعد أن تسري فرقعات أقدام للجلاد تطالبه بالاستعداد للموت .. ففي مملكة الموت لعنة الفراعنة تطاردك لتجعل منك إنسانا لامرئيا, لا يتقن إلا لغة الوجع ..

أيها الإله عفوا إن تطاولت : وإن أمهلتني وظيفتك بعض الوقت لأتمتع بما تبقى من وقت , فإني لا أخفيك سرا وأنت الأعلم , أنه لو قدر لجيلي أن يعبر نفس الطريق من نفس البوابة – وهو يعبرها اليوم بكل حذر- لما تردد في قولة كلمة حق .. قد يكون كل الخوف متكأ على جنباته , وقد يظهر نصف العمر أو ماتبق منه مهددا بفصول الموت الرهيب في نفس السجن , ,وقد يضغطون على زر إعادة شريط نفس الأحداث المأساة , ليذكروه بعاقبة من تطاول ...ما تردد أو تعثر ...ولتعد رواية فصول مسرحية " مملكة الموت الرهيبة بتازمامارات أو خلف جديد اسم " ..فإما نحذفها بمقص الرقابة على مستقبل أبنائنا أو فلنهلك دونها .

أيها الإله عفوا وعفوا : فقد أنهيت كلامي ..

وإني أقف انحناءة فارس ,إن كانت الفروسية تعني الاعتراف بشرف المعركة , وانحني وجلا أمام كل أولئك الثوار والأحرار الذين واجهوا لحظة الإعدام دون طأطأة رأس أو خوف , فإن هذه البلد لم تنجب أمهاته إلا من يرفعون الرأس غير عابثين بجريمة الموت , أما المطأطئون من منفذي الحكم ,فلتبحثوا عن أصولهم في محاكم التفتيش أو عهود الغاب ..فهم ليسوا إلا سحابة عبرت الحياة, وانتهى أمرها بالبصق كلما تذكرها قائل أو قرأها قارئ ضمن مشاهد التاريخ العفن .

عفوا الهي فإني وجيلي سنستمر في وظيفة الرفض و البحث عن التغيير إلى أن تندثر كل زنازين الموت أو نسكن جنباتها من جديد لنترك لجيل قادم مهمة البحث عن الأمل.

وفي انتظار المزيد من معرفة مصير الجثت و المقابر الجماعية و اولئك المختطفين ...

ادب المقاومة و المقاومين

صورتي
مراكش, في كل نقطة حمراء, Morocco

موجة حر

موجة حر
تستمر حملة التضامن مع بارا ابراهيم المعتقل : كاتب المجموعة المحلية لاطاك افني