ادب المقاومة و المقاومين كتابات إلى كل مناضل ..إلى نفسي إحياء لمقاومتها صبرا على الآفات إلى كل صادق في هدا البلد الذي أظناه الغباء وسلطة الأفراد إلى روح الجماعة ..إلى امرأة ..إلى سمش ..إلى روح الجماعة إلى عنادي الذي علمني الرفض ودفع الضرائب إلى القلم الذي أنجب مني الكلمات وأنجبت منه المعاناة

الاثنين، 29 ديسمبر 2008

قصيدة شعبي مابالك لا تنهض



رجل مقطوعة
شهادة شهيد يودع
وطفل على الأنقاض يحتضر
شعوب مترملة تبكي خيبتها
وأنظمة معلقة على القسم ، بعزة بوش
تسبح .

حدثني الراوي
أن الموت في بلادنا كأسماء مواليدنا
لاتنقطع ، ولا تذبل
حدثني الراوي
أن مواقفنا حبر لا يتجاوز الورق
وان فلذات أكبادنا
قرابين نقدمها للمحتل،
ولكل من يقتل.

على نقيع مكبرات الصوت
وضبط النفس
و احتياطات الأمن القومي
وعناكيب الغضب و التوعد
و أصداء الجامعة العربية
و تنديد مرفق بالسكر
وعربات تمتهن الدعارة في المخفر
هي شعوبنا تقبل بالأمر الواقع لا أكثر

رجل مقطوعة
شارب محترق
عين خرجت عن المقلم
شهادة صوت اقبرها رشاش كاثم
طفلة اختلط عليها اللعب بالدمى
فأضحت تخلط بين أرجل الدمية
وبين أرجل المقتل
إرهاب في إرهاب
وصمت في صمت
وداك تطبيع ، ..وأخر مرهم
وداك تصريح وأخر توعد
خزي في خزي امتنا
انها في العويل لا تنضب
وفي البكاء لا تمل

شعبي ..عرفتك كما عرفت غيرك
ترى الأخبار على الجزيرة
فتتحسر ..
تتناول وجبات الغداء
قد تدمع ..
وبعد قليل تتضرع إلى الله بالتدخل
ثم تعود لتقلب المحطات ،
تتفرج على فلم ، على تفاهة
على فلم يخلد أمجاد العسكر
وتنتقد كل صوت محتج بجانبك
ماتت عزتك
وأصبحت مجرد مشجب

شعبي ..تلك الأرجل المتناثرة هناك
ما بالها لا تكون هنا
تلك الوجبات الدسمة للموت
ما بالها لا تسقط أصواتها هنا
ما بالك لا تخرج لفك الحصار
ما بالك تصمت
ما بالك لا تقيل حكوماتك
ما بالك لا تسقط عن عورتك كل سافل وكل مطبع .

الخميس، 16 أكتوبر 2008

ملف الازمة المالية ..الفهم والمواجهة

بيان أطاك المغرب حول الأزمة المالية العالمية

في الوقت الذي تعرف فيه الأسواق المالية العالمية تسونامي حقيقي بعد عولمة أزمة القروض العقارية Subprime الأمريكية لتشمل كافة المنتجات المالية المضرباتية و تنتقل الهزات الارتدادية إلى مجموع المؤسسات المالية العالمية الكبرى في العالم و تشهد معظم البورصات العالمية أرقاما قياسية في مستويات انخفاض مؤشراتها، سارعت الحكومات الليبرالية لانقاد أغنياء العالم على حساب دافعي الضرائب إعمالا بمدأ تشريك الخسارات و خوصصة الأرباح.

تجد، هذه الأزمة، جذورها في التوجه الليبرالي الذي فرضه أسياد العالم ، مند سنوات، و سيطرة الرأسمال المالي و مراكمة أرباح خيالية - خارج عملية الإنتاج- عبر عمليات قمار عبثية (بيع و شراء لمنتوجات مالية تعتمد على المخاطرة) إضافة إلى حرية تنقل رؤوس الأموال و إزالة كافة "الحواجز" القانونية، الاجتماعية، الانسانية والبيئية أمام مصالح المساهمين والمضاربين من أجل مضاعفة أرباحهم. كما دفعت، هذه الأزمة، أكثر المدافعين عن الليبرالية إلى التراجع عن وهم السوق المقننة من تلقاء ذاتها Marché autorégulé وأصبحو اليوم، يطالبون بضرورة تدخل الدولة من أجل إنقاذ الاقتصاد العالمي من الانهيار الكامل، بسبب "حماقات" المضاربين الماليين حسب تعبيرهم.

بالمغرب، تواصل الحكومة نهج سياسة النعامة أو "كولو العام زين" بحيت لا يتردد "المسؤولون" في التصريح بأن البلد في منأى من هذه الأزمة. و بنفاق كبير يصرحون أن ما يجعلنا بعيدين عن هذه الأزمة العالمية هو ضعف ارتباط اقتصاد البلد و بورصة الدار البيضاء بالأسواق العالمية بينما كان نفس"المسؤولين"، منذ بضعة أشهر، قبل الأزمة، ينادون بضرورة الانفتاح على الأسواق المالية العالمية للاستفادة من مزايا العولمة .

خلافا للأكاذيب الرسمية من المنتظر أن تكون للأزمة وقع بالغ على اقتصاد المغرب، الهش أصلا ، بحيت من المنتظر أن تتراجع تحويلات عمالنا بالخارج المورد الأول للعملة الصعبة الضرورية لشراء المواد الأساسية كالقمح من الخارج، من المنتظر أن يصاب قطاع السياحة بتراجع كبير، كما أنه من المنتظر أن تتراجع الاستثمارات و كذا الطلب العالمي على الفوسفاط و مشتقاته ثروة البلاد الأولى.

إننا في أطاك المغرب، عضو الشبكة العالمية لأطاك والتي لم تتوقف منذ تأسيسها، لما يزيد عن عشر سنوات، من التنبيه بالعواقب الوخيمة لعملية لبرلة الاقتصاد و ضرورة نزع سلاح الأسواق المالية و فرض قيود صارمة على حركة رأس المال وجميع المعاملات المالية وإلغاء ديون دول العالم الثالث و فرض ضريبة تصاعدية على الثروات والمعاملات المالية، نطالب ب :

  • احترام ملايين المغاربة و إخبارهم بالنتائج الحقيقية المحتملة لمثل هذه الأزمة على اقتصاد المغرب
  • وقف كل أشكال الخوصصة و تفكيك ما تبقى من المؤسسات العمومية (البريد، السكك، الفوسفاط...)
  • وقف فتح رأسمال المؤسسات العمومية على البورصة (حالة المكتب الشريف للفوسفاط) بعد اعتراف المسؤولين بخطورة الارتهان بالأسواق المالية العالمية.
  • وقف التلاعب بأموال صناديق الحماية الاجتماعية بالمغرب الموظفة من طرف صندوق الايداع و التدبير ببورصة الدار البيضاء.

ولتسليط الضوء أكثر على هذا الموضوع تنظم أطاك المغرب وفي إطار الأسبوع العالمي للتعبئة ضد الديون والمؤسسات المالية الدولية (من 12 إلى 19 أكتوبر) يومين تكوينين (18 و19 أكتوبر) بالبيضاء مع عرض لفيلم "نهاية الفقر؟" تتخللهما عروض و نقاشات حول هذه الأزمة المالية و نتائجها المحتملة على اقتصاديات شعوب العالم الثالث و من ضمنها المغرب.

عن مجلس التنسيق الوطني

الرباط في 12 أكتوبر 2008

أزمة القروض العقارية مرتفعة المخاطر، ذعر مالي وانهيار اجتماعي


الاثنين 6 تشرين الأول (أكتوبر) 2008

حسب دراسة نشرها أستاذان جامعيان، تبدي أزمة الرهن العقاري عالية المخاطر بالولايات المتحدة أوجه شبه مع أزمة ديون العالم الثالث في مطلع سنوات 80. ففي كلتا الحالتين غذى تدوير البترودولار قروضا هائلة بشروط جد تفضيلية دون مراعاة إمكان قدرة المقترضين على السداد. »في هذه المرة، […] جرى تدوير أموال هائلة في اقتصاد نام داخل حدود الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها. وهكذا تم توجيه أكثر من ألف مليار دولار نحو سوق القروض العقارية عالية المخاطر (سب- برايم)، هذه السوق التي تقوم على المقترضين الأكثر فقرا والأقل وفاءا بالولايات المتحدة«[ 1]. هذا المقال الأول مخصص لآلية أزمة ديون الرهن العقاري عالية المخاطر. ويحاول توضيح النوابض الاقتصادية لهذه الأزمة ونتائجها الاجتماعية. و يقدم لمجموعة مساهمات أخرى حول الرأسمالية الراهنة سننشرها لاحق.

يملك أكثر من ثلثي المقيمين بالولايات المتحدة اليوم مسكنهم مقابل 40% فقط أثناء الخروج من الحرب العالمية الثانية. و في الواقع يمثلون 75% من بين البيض و 48% من بين اللاتينيين و 47% من بين السود. ومع ذلك، فحسب بول جوريون، أدى هذا التطور بشكل متناقض الى عدم استقرار متزايد في السكن، لأن 50% من حاملي سندات الملكية لا يملكون فعلا سوى 10% من سكنهم، والباقي مغطى بقروض سوق الرهون العقارية [2]. زد على ذلك أن جزءا مهما منهم -»الطبقة الوسطى الزائفة« - عاجز حتى عن تحمل الأعباء الملحقة لملكيته. وليس بوسعه للخروج من هذه الوضعية سوى توقع تثمين هذه الملكية على المدى القصير: فمن 1998 إلى 2005 ارتفعت أسعار العقار بمتوسط سنوي بلغ 5%.

القروض العقارية مرتفعة المخاطر

تفاقم هذا الوضع بفعل نظام قروض الرهون العقارية بالولايات المتحدة التي كانت معدلاتها قبل الأزمة تتراوح بين 3.5 و 11% (بالنسبة لقرض لا يفوق 82% من قيمة اقتناء المسكن) ومن 5.5% إلى 17.5% (بالنسبة لقرض يصل إلى 97.5% من قيمة اقتناء المسكن) تبعا لتسعيرة المقترض، حيث أن لكل مقترض علامة قرض محسوبة بناء على تاريخه الشخصي ويعاد تقديرها مساء كل يوم عمل، وتحدد هذه العلامة ما يمثل المقترض من مخاطر تخلف عن الأداء. وبلا شك، تتاثر تلك العلامة ايضا وبشكل مباشر بانتماء المستهلكين العرقي. ويميز هذا النظام في السوق العقارية قطاعا prime (ذو التصنيف الممتاز) عن قطاع subprime (ذي مخاطر). فمثلا، في سنة 2003، أي قبل اندلاع الأزمة، كانت 1.1% من قروض الرهن ذات التصنيف الممتاز تفضي إلى حجز الملكية، مقابل 7.4% من القروض في القطاع عالي المخاطر(سب برايم).

في قطاع القرض عالي المخاطر (سب برايم)، الذي تضاعف حجمه الإجمالي 9.5 مرة بين 1994 و2003، توضع شروط التسليف بتضخيم أسعار الفائدة العادية بعلاوات مخاطرة وعلاوات »ملف« مرتفعة. وفضلا عن ذلك، في هذا القسم من السوق، حيث المؤسسات البنكية ضعيفة الانغراس (أحياء فقيرة، مناطق حضرية منكوبة، الخ)، غالبا ما يجري إبرام عقود القروض عبر سماسرة مقابل عمولات، مما يساهم في رفع كلفة القروض. تعول البنوك في الواقع على عجز زبائنها على إعمال المنافسة وعلى تحليل معنى التركيبات المعقدة المقترحة عليهم: جزاءات التسديد المعجَّل الرامية إلى منعهم من إعادة تمويل رهنهم بشروط أكثر تفضيلية؛ أسعار فائدة جد جذابة خلال السنوات الأولى والتي تؤدي -بالفعل - إلى زيادة الدين (استهلاك سلبي)؛ معدلات »جشعة« ممنوحة عمدا من أجل حجز آجل الخ..

انطلاق الأزمة

من منتصف سنة 2000 إلى سنة 2003، قلَّص البنك المركزي الأمريكي أسعار الفائدة الموجِّهة من 6.5% إلى 1% وذلك من أجل تفادي أزمة مالية ومقاومة الانحسار الاقتصادي بعد انفجار فقاعة البورصة. فقد عول إذاك بنك الاحتياط الفدرالي الأمريكي على إنعاش الاقتصاد بواسطة الاستهلاك بالتسليف. وهكذا حررت استدانة الأسر الكثيفة، المتضاعفة قيمتها بين 2000 و 2006، قدرة شرائية إضافية هائلة. فمثلا، أصبحت ستة ملايين أسرة مالكة لمسكنها باقتراضها 100% من المبالغ الضرورية، قبل مواصلة طلب سلفات على أجل القيمة المرتفعة لملكها...

وللاحتماء من إحتمال عجز عن سداد هذا المبلغ الهائل من القروض، شرعت هذه المؤسسات المقرضة من تجميع القروض وإصدار سندات صَرَفتها في الأسواق المالية، وبالخصوص في البنوك الكبيرة: كانت هذه الـ Mortgage Based Securities (منتجات مشتقة مدعومة برهون عقارية، وبشكل خاص سب برايم) تدر في الواقع فوائد تفوق بشكل واضح السندات الأخرى. ووبدرها جرى ضمانها بمنتجات مشتقة أخرى تسمى "سندات الدين الجانبية" Collateralized Debt Obligations تؤلف بين القروض الأكثر خطورة وأخرى أكثر ضمانا. لقد مكنت أمثال هذه الآليات من تصدير وتوزيع المخاطر المتزايدة باستمرار، غير أنها يسرت في الآن ذاته مضاعفة لا محدودة لهذه المخاطر مراهنة على تمويهها وتوزيعها .

وهكذا، عندما بدأ كساد السوق العقارية ثُم سقوطها بالولايات المتحدة،، منذ سنة 2006، أثار ارتفاعا سريعا في عجز سداد الديون. وعندئد قام المقرضون بحجز ملكية مئات آلاف المنازل، و رمي ساكنيها في الشارع. وبطبيعة الحال، كانت شرائح المجتمع الأكثر هشاشة، وبخاصة السود، اشد تضررا لأنها اتكلت منذ البداية على ارتفاع لانهائي لسعر العقار من أجل تمويل دائم لخدمة دينها، ناهيك عن تكاليف صيانة المنزل والاستهلاك اليومي. وهكذا، بدأ هرم القروض العظيم الذي ينيخ بثقله على هذه الشرائح يصاب بالهشاشة بسرعة كبيرة، فسارعت الأوساط المالية إلى التخلص من السندات (titres) التي أضحى مستحيلا تحديد قيمتها الخاصة...وهكذا بدأ سير الآلية التراكمية للأزمة .
جان باتو

جريدة Solidaries السويسرية
عدد 124 بتاريخ 13 مارس 2008
تعريب: جريدة المناضل-ة

نذر انهيار الحلم الأمبراطوري الأمريكي

لا يحتاج المرء إلى تقليب كتابي بول كنيدي عن "ظهور القوى العظمى وسقوطها" و"الاستعداد للقرن الحادي والعشرين", لتتأكد لديه حقيقة مقولة إن أفول الحلم الأمبراطوري الأمريكي, لم يعد مجرد تكهنات وتمارين أكاديمية صرفة وعقيمة, بقدر ما غدا فرضية قوية, إذا لم تكن بالمحصلة النهائية, ضمن السنن القادمة, التي لا مجال يذكر للمكابرة في استبعادها أو ردها أو تأجيل مداها.

إنها فرضية لطالما دفع بها منظرون كبار, من داخل الولايات المتحدة ذاتها ومن خارجها, المناهضين لمنظومة الرأسمالية والليبيرالية والسوق, كما المدافعين عنها سواء بسواء, حتى إذا ما انفجرت أزمة صيف هذه السنة, سنة ال 2008, اصطفوا جميعا حول "واقعة" أن ثمة حقا وحقيقة, خللا بنيويا, إذا لم يكن في طبيعة المنظومة إياها, فعلى الأقل في طريقة اشتغال عناصرها ومكوناتها, وتفاعل بعضهم البعض في الزمن كما في المكان.

وعلى هذا الأساس, فأيا ما يكن توصيف أو تفسير أو تبرير "أزمة العقار" الحالية, فإنها لا تخرج بالقطع, اللهم إلا في القوة والحجم, لا تخرج عن طبيعة الأزمات السابقة, التي طاولت البنوك والمصارف ومؤسسات التأمين وقطاعي التكنولوجيا والإنترنيت وما سواها, وكانت حالة إنرون أقواها بروزا وتمظهرا. كلها تنهل من معين واحد, معين العطب البنيوي الذي لازم المنظومة إياها, على الأقل منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي, وإلى حين مشارفة كبريات المؤسسات البنكية والمصرفية الأمريكية على الإفلاس الكامل والشامل.

بالتالي, فبصرف النظر عن الأسباب التقنية الكامنة خلف انفجار أزمة "الرهون العقارية", وتداعيات ذلك على الداخل الأمريكي مواطنينا ومؤسسات (وقد أوغلوا جميعا في ثقافة الاقتراض لدرجة الإدمان), كما على مستوى العالم, فإن الثابت فيما نتصور, أنها نتاج سلوك متعمد, رفع إيديولوجيا السوق لمراتب عليا, شارفت على التطرف في النظرية كما في الفعل.

وإيديولوجيا السوق المتحدث فيها هنا, لا تحيل على هذا الأخير, من منطلق كونه فضاء للتباري الحر والمنافسة, بل في كونه المحك الأول والأخير, الذي بالاحتكام إليه تقيم كل الاختيارات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها:

+ إن إيديولوجيا السوق, زمن العولمة وانفتاح الأسواق ولبرلتها, لم تقوض العلاقة بين البعد المالي والبعد الإنتاجي, الضامن لتناسقية الدورة الاقتصادية, بل جعلت الأول (البعد المالي أقصد) في حل من الثاني, يتحرك بحرية كاملة بالأسواق وبالشبكات الألكترونية, باحثا عن ربح قصير المدى, لا يضمنه البعد الإنتاجي ذي الخلفية الاقتصادية الخالصة.

إن تداعيات ذات التقويض لا يمكن ملامستها فقط من خلال واقع الاستقلالية التامة للمستوى المالي (والمضارباتي بمحصلة المطاف) عن المستوى الإنتاجي, ولكن أيضا من خلال ارتهان هذا الأخير, وتحويله إلى تابع لمنطق, لم يكن يوما منطقه لا بالجملة ولا بالتفصيل.

هو واقع كان باديا ببداية ثمانينات القرن الماضي, لكنه تقوى وبات صارخا من تاريخه, مع انتشار وتزايد مد العولمة, ثم انفجار الشبكات الألكترونية وتزايد المنتوجات اللامادية, ثم مسلسلات تحرير الأسواق, وخوصصة القطاعات العمومية, وانفجار السلع والخدمات المالية والمصرفية الجوالة والباحثة لدرجة الهوس, على الربح السريع والآني, المستبعد لقيمة المجازفة, الملازمة لعملية الإنتاج المادي, منذ الثورة الصناعية وإلى حين سبعينات القرن الماضي.

ليس من الصدف والحالة هاته أن تكون القطاعات, مكمن هذه الأنشطة وفضاءها, هي الأكثر عرضة للأزمة والإفلاس, وقد كانت كذلك من مدة, لكنه تمت التغطية عليها قصدا, في حين تبقى مستويات وقطاعات الإنتاج بمنأى وفي مأمن نسبي عن ذات الواقع.

+ وبقدر ما يرتهن البعد المالي البعد الاقتصادي, فإن إيديولوجيا السوق تدفع بمنطقها وبالآن ذاته, إلى أن تتحول النخب السياسية (التشريعية كما التنفيذية على حد سواء) إلى أداة بيد النخب المالية (وإلى حد ما الاقتصادية) تبتزها بحالات الرخاء والانتعاش, لكنها لا تتوانى في اللجوء إليها عندما يضيق الحال, أو تتغير القواعد, أو يعجز السوق على ضمان استمرارية فاعليه, تحت هذا الظرف أو ذاك الإكراه.

إن ذوات النخب (المالية تحديدا) تتذمر من تدخل الدولة بالاقتصاد, اللهم إلا إذا كان تدخلها بجهة خوصصة الأرباح وتأميم التكاليف, لكنها لا تمانع بالمرة, بل وتستجدي الدولة دون حياء أو عقدة نقص, لإخراجها من مستنقع الإفلاس, عندما يضيق الأفق وتعدم الحيلة من بين ظهرانيها.

وعلى هذا الأساس, فإن تهافت الإدارة الأمريكية لضخ 700 مليار دولار بمسالك النظام المالي والمصرفي الأمريكي, إنما يدخل بذات السياق, سياق إنقاذ النخب إياها, قبلما يكون سياق إنقاذ النظام, أو القطاعات المتسببة في الأزمة والإفلاس.

صحيح أن المنظومة برمتها قد باتت قاب قوسين أو أدنى من الانهيار, وصحيح أن خطة الإنقاذ المزمع إعمالها تطاول المظهر لا الجوهر, إلا أن استنفار جزء من المال العام لإنقاذها, إنما يتغيأ إنقاذ نخب مارست بشجع فأفلست, ويتغيأ إعادة إنتاج قواعد في اللعب, إن تهاوت فستتهاوى التركيبة برمتها.

+ ثم إن إيديولوجيا السوق لا تخجل من استعطاف القائمين على المال العام لإنقاذها, بل تجاريهم, تتماشى مع خططهم ومخططاتهم, ولا تتمنع في القبول بما يشيرون به عليها, مادامت البدائل قد انعدمت والحلول تقلصت.

قد لا يبدو أن ثمة بذات الأمر إشكال, فالدولة أيا تكن طبيعتها ومشاربها الإيديولوجية, لا تستطيع أن تجازف بمستقبل "أبطالها القوميين", سيما لو كانوا (كما الحال بالأزمة الحالية) قاعدة البنيان. لكن الإشكال إنما يبدو لنا كامنا في فلسفة اقتصاد في السوق يبدي الحساسية, أيما حساسية, إزاء تدخل الدولة, لكنه لا يخجل من تدخلها عندما يوشك على إشهار إفلاسه.

إن منطق الأمور لا يفترض ذلك بالمرة, باقتصاد بمجرد تهاوي الاتحاد السوفياتي, أعلن "الانتصار النهائي والأبدي للرأسمالية والديموقراطية الليبيرالية". إنه يفترض ترك ميكانيزمات السوق تشتغل, تجازي الأنجع إذا نجح, ولا تتدخل في مآل الأقل نجاعة, إن هم بلغوا درجة الإفلاس.

من هنا, فإن مبادرة الإدارة الأمريكية (بمباركة من الكونغرس) للدفع ب 700 مليار دولار من المال العام لتمويل "خطة الإنقاذ", لم تلق فقط استهجان جزء كبير من الأمريكيين, الحانقين أصلا على سلوك "أبطالهم", بل ودفعت بالكثيرين إلى التشكيك في طبيعة "الرأسمالية الأمريكية" ذاتها, في المنظومة الإيديولوجية المرتكزة عليها, وفي المناعة الداخلية التي تدعيها, والتي ألهمت فوكوياما لصياغة أطروحته عن "نهاية التاريخ".

ألا تشي الأزمة الحالية, كما ما سبقها من أزمات, بأن التاريخ لم ينته حقا, بل لربما بدأ من حيث بدأ الحلم الأمبراطوري الأمريكي في الأفول. إننا نزعم ذلك جازمين, على الأقل من منظور أن أمريكا لم تعد صاحبة الدور الريادي في قيادة العالم, وإلا فكيف يا ترى للربان أن يقود, وأشرعته تتلاطمها الرياح من كل صوب وحدب؟

يحيى اليحياوي: ماخود من الموقع الشخصي للكاتب

الرباط, 29 شتنبر 2008

الأزمة الاقتصادية – المالية العالمية

تضرب الاقتصاد الرأسمالي العالمي أزمة اقتصادية حادة غير مسبوقة هي الأولى من نوعها في عصر العولمة لجهة شموليتها الجغرافية والقطاعية وتأثيراتيها على البشرية. وهي ازمة تختلف عن الأزمات الرأسمالية السابقة . فهي في الوقت عينه أزمة بنيوية وقطاعية وأزمة فائض إنتاج. وبالتالي هي تؤشر الى النوعية الجديدة التي بلغها الرأسمال كعلاقة إجتماعية تتمثل في تحقيقه همينة شاملة على الانسان كنوع، وتؤشر الى مأزق هذه الهيمنة، القائمة على تشبيك كل اقتصاديات العالم واخضاعها الى الكتلة المهيمنة داخل هذا الرأسمال – أي للرأسمال الأميركي العابر.

تتجلى هذه الأزمة في تدهور أسعار الاسهم في جميع بلدان العالم وانخفاض ربحية المصارف العالمية الضخمة وفي تراجع الانتاج الصناعي وارتفاع الاسعار وخاصة أسعار الخامات والمواد الاستهلاكية وفي انهيار القطاع المالي العالمي وارتفاع البطالة. نجمت هذه الازمة عن التناقضات التقليدية التي تحرك الاقتصاد الرأسمالي. لكنها نجمت أيضاً عن التناقضات التي خلقها الموديل النيوليبرالي واستنفاد طاقة تلك السياسات التي فرضها على أطراف النظام الرأسمالي في المراكز والأطراف.

وبسبب الموقع المركزي للاقتصاد الاميركي في الاقتصاد الرأسمالي العالمي فإن مركز الهزة الآن هو الاقتصاد الاميركي الذي شكل لعدة عقود قاطرة الاقتصاد الرأسمالي العالمي والمرتبط بعرى وثيقة بمعظم إقتصاديات العالم. وبسبب هذا التشابك من المتوقع أن تنعكس الأزمة على كل الاقتصاديات العالمية بنسب متفاوتة، حتى تلك التي لم تشهد حالات تأزم، كما يتوقع أن تستمر حتى العام 2013.

أولاً- الأزمة هي أزمة بنيوية

الأزمة البنيوية تعبير عن اختلال التناسب بين القطاعات الاقتصادية. حيث يسجل قطاع ما ولأسباب مختلفة تفوقاً على القطاعات الأخرى، فيقدم منتوجاً جديداً له أهمية استثنائية، يستدعي طلباً مرتفعاً، ويجذب الاستثمارات على خلفية ارتفاع الارباح فيه، ويتوسع انتاجه. غير أنه ومع الوقت يتعدل معدل الربح ويعود التناسب الى الاقتصاد الذي ينمو بشكل متناغم نسبياً.

لكن ماشهده الاقتصاد الرأسمالي وخاصة في مراكزه الأساسية، منذ الثلث الأخير للقرن الماضي، يخرج عن هذه القاعدة. فقد أطلقت الطغمة المالية الأميركية عملية تطوير قطاع اقتصادي جديد هو قطاع المعلوماتية أو ما بات يسمى "بالاقتصاد الجديد". وذلك من أجل التصدي لقانون ميل معدل الربح للانخفاض. وقد خصصت لذلك مقادير مالية هائلة. واستندت هذه العملية الى فرضية مفادها أن انتاج تكنولوجيا معلوماتية جديدة من شأنه أن يرفع انتاجية العمل في القطاعات التقليدية مما سيدفع هذه القطاعات لشراء هذه التكنولوجيا واستخدامها، وبالتالي تحقيق مداخيل وأرباح تغطي النفقات على القطاعات الحديثة وتحقق لها أرباحاً عالية. ويشكل هذا الأمر حافزاً لجذب استثمارات أكبر وبشكل متزايد الى هذه القطاعات التي ستثور الاقتصاد الرأسمالي وتحرر الرأسمالية من الأزمات ويبعد عنها خطر الإنهيار.

لكن حساب الحقل لم يتطابق مع حساب البيدر! لم تتحقق هذه النظرية على الرغم من التطور التكنولوجي الذي تحقق خلال هذه الحقبة. لم يؤد إدخال التكنولوجيا الى رفع انتاجية العمل كما كان متوقعاً. ولم يتم التوسع في استخدام منتوجات الاقتصادي الجديد، وبالتالي لم تعوض هذه القطاعات نفقاتها ولم تحقق الارباح الموعودة: حدث فائض انتاج في هذه القطاعات مقابل طلب محدود عليها، في ظل رسملة هائلة وارتفاع خيالي لأسعار الشركات العاملة فيها. لذلك ومنذ مطلع القرن الحالي تتعرض اسهم هذه الشركات وأسواقها لإنهيار تلو الانهيار، وتنخفض الاسعار وتحترق مليارات الدولارات الموظفة فيها. ولتقدير الخسائر في هذه القطاعات تكفي الاشارة الى حجم هذه القطاعات في الاقتصاد الأميركي وحده إذ يبلغ 30% منه.

هذا الاختلال في التناسب بين قطاعات الانتاج وعدم الوصول الى وضعية التناغم المفترضة يعود الى الفرق النوعي بين الدورات الزمنية في القطاع الحدث وفي القطاعات التقليدية، ذلك أن الاخيرة لا تجد مصلحة في استبدال متتابع لوسائل الانتاج والتكنولوجيا تماشياً مع ما تنتجه القطاعات الحديثة، لأن هذه التكنولوجيا تهترئ (تتقادم) معنوياً حتى في طور تصميمها، إذ ان عدة أجيال من الكمبيوترات ومن الاجزاء المرتبطة بها تنتج خلال فترة قصيرة يتوسع حقل المعلومات يتغير انتاج البرامج الجديدة. وكان يمكن للقطاعات التقليدية أن تماشي دينامية القطاعات الحديثة لو انها تمكنت من توسيع مقادير انتاجها بأحجام كبيرة وتحقيق الارباح الكافية لها وللقطاعات الحديثة. لكن منطق الانتاج الرأسمالي يعرقل هكذا احتمال لأنه يفترض اقتطاع القيمة الزائدة من المنتجين وهي جزء من القدرة الشرائية التي يجري تعطيلها، فتتراكم على شكل منتوجات هي تراكم الرأسمال الذي لا يجد مجالاً لتصريفه.

لقد استنفد الرأسمال كل الامكانيات التي بقيت متوفرة لديه لمواجهة قانون ميل معدل الربح للانخفاض مثل تحفيز الطلب الاستهلاكي بواسطة التسليف الرخيص واحتلال أسواق بلدان العالم الثالث وبلدان المنظومة الاشتراكية السابقة. وكان عليه ان يبحث عن مجالات توظيف جديدة فوجد في قطاعات الاقتصاد الجديد ضالته، مستنداً في ذلك الى النظام المالي العالمي، الذي كان يغرق بفوائض مالية لم تجد مجالات لتشغيلها.

ثانياً – الأزمة – أزمة القطاع المالي (أزمة مالية)

يعاني النظام المالي العالمي اليوم من أزمة حادة تهدد بكوارث حقيقية نشهد اليوم بعض مظاهرها على شكل افلاسات في بنوك ضخمة، وفي تدهور اسعار العملات الاساسية وخاصة الدولار وفي احتراق ترليونات الدولارات الموظفة في هذا القطاع وبواسطته في مجالات مختلفة.

ويعود السبب الحقيقي لأزمة هذا القطاع لتجاوزه وظيفته الأساسية – الوساطة بين الانتاج والمدخرين لتتحول الى عملية إنتاج ربح من الاموال خارج الانتاج أي في المضاربات وفي خلق الأوهام والوعود وقد أوصل قاعدة نقد – نقد الى أبعد حدودها الوهمية.

ويمتاز هذا القطاع بالموقع المركزي الذي يحتله فيه الدولار الاميركي كعملة عالمية. إذ تشكل الادخارات لدى المصارف المركزية العالمية بالدولار الجزء الرئيسي منها، كما تحقق أكثر من 50 % من الصفقات العالمية بالدولار، ناهيك عن تسعير العديد من الخامات والسلع الستراتيجية بالدولار.

قد يبدو الأمر للوهلة الاولى عادياً. لكن مقاربة عرض الدولار والطلب عليه تظهر مدى الاستغلال السافر من قبل الولايات المتحدة لشعوب العالم عبر عملتها، التي تسمح لها بتصدير أزماتها الى الخارج وحلها على حساب شعوب العالم.

جدير بالذكر أن الدولار – العملة الاميركية والمفروض عملة عالمية – يحتكر طباعته المصرف المركزي الاميركي انطلاقاً من حاجات الاقتصاد الاميركي وبدون مراعاة مصالح الدول الاخرى. بمعنى آخر، السياسة النقدية الاميركية تتحكم بالنظام المالي العالمي. ولذلك فأزمة النظام العالمي الراهنة هي نتاج طبيعي لآلية طبع النقود في أميركا وبالتالي لأزمة العملة الأميركية.

فالاحتياط الفيدرالي يطبع النقود لتلبية حاجات الحكومة الأميركية من أجل سد عجز الموازنة وخدمة دينها المتزايد. لكن المركزي الأميركي يطبع النقود أيضاً لدعم سيولة القطاع المصرفي وتمويل النفقات الفصلية وتمويل مؤسسات التسليف الحكومية بما في ذلك الصناديق العقارية ولتمويل الاستهلاك.

ولتشغيل النقود بفعالية تشكل مجمع ضخم يضم مصارف ومؤسسات التقييم وشركات الاستشارات التي تعمل على تشكيل وجهات لتوظيف الأموال منها تمويل قطاعات الانتاج الجديد والقطاعات العقارية والنفقات الاستهلاكية. وقد نجم عن هذه الممارسة هرم المديونية الهائل في الاقتصاد الاميركي الذي يتجاوز اليوم 50 ترلوين دولار في ظل حصة للاقتصاد الاميركي تبلغ 14 ترليوناً. وينمو هذا لدين بنسبة 10 % سنوياً، ومع أن حصة الناتج الاميركي 20 % من الناتج العالمي يصل الاستهلاك الاميركي الى 40% منه، مما يعني أن أميركا تعيش على حساب شعوب العالم الأخرى.

كان من شأن اغراق اقنية التدوال النقدي بالدولارات ان يؤدي الى تضخم مرتفع لكن آلية الطلب على العملة الاميركية وخاصة من قبل المصارف المركزية التي تحمل اليوم 10 مليون دولار حالت دون ذلك. لكن يبدو في السنوات الاخيرة تزايداً في وعي المستثمرين والمصارف المركزية بتدهور قيمة الدولار مما يستدعي هروباً من هذه العملة واللجوء الى عملات أخرى.

لكن العوامل المفجرة لأزمة القطاع المالي تتركز بشكل رئيسي في المضاربات التي تتخذ شكل فقاعات مالية في قطاعات مختلفة.

ثالثاً – الأزمة – أزمة قطاعات

كانت الفقاعة الاولى تلك التي اصطنعت في قطاعات الاقتصاد الجديد حيث ارتفعت اسعار اسهمها بسرعة خيالية جعلت الفارق بين القيمة الفعلية للقطاعات وبين اسعار هذه الاسهم 50 ضعفاً. ولأن آلية الازمة البنيوية حالت دون تحقيق الارباح الافتراضية انهار الهرم المالي الذي تكون في قطاعات المعلوماتية والانترنت. ثم تم العثور على مجال جديد لإنتاج فقاعة دولية هو قطاع العقارات الذي استحوذ على تسليفات هائلة للمواطنين للمتاجرة بالمساكن بدون ضمانات فعلية. فتشكلت كرة ثلج من الديون والموارد المالية الموظفة في هذا المجال والمقدرة بـ 12 ترليون دولار. وعندما حانت مواعيد سداد القروض والعجز عن ذلك، انفجرت هذه الفقاعة ودخلت المصارف في أزمة حادة.

يقدر لهذه الأزمة ان تزيل من الوجود مئات المصارف في العالم. لقد تبين أن الفوضى وانعدام الرقابة الحكومية ورعونة المدراء هي البيئة التي يعمل في ظلها القطاع المصرفي الذي يتعرض ليوم لخسائر تتجاوز ترليون دولار.

المعالجات الرسمية:

ينطلق التعامل مع هذه الأزمة من تفسيرها بأسباب نقدية ولذلك تستخدم في معالجتها أدوات مالية، ويصب الجهد لمعالجة أزمة السيولة بضخ مقادير هائلة من لاموال لشراء الاصول الراكدة وصولاً لتامين مؤسسات وصناديق بهدف إعادة رسملة المصارف المتعثرة وبثّ الروح فيها من جديد على حساب الكادحين. إنها محاولة لإيقاف النزيف دون معالجة أسبابه، ولذلك فهي فاشلة بالتأكيد.

إن المكابرة التي يحاول الرأسمال ارتكابها عبر التنكر لمنطق التطور الرأسمالي قد سقطت. كان لا بد لنيوليبرالية أن تخلي الساحة لنيو كينزية جديدة تعيد للدولة الرأسمالية ذلك الدور الذي تفرضه الأزمات – أي التدخل الواسع من أجل الحد من الفوضى وتصحيح الاختلالات ودعم الطلب لإنقاذ الرأسمالية ذاتها. وهذا ما تقوم به الدولة الرأسمالية اليوم، كأداة بيد البرجوازية الامبريالية لخدمة مصالحها.

النتائج السياسية للأزمة:

لقد تمكنت الولايات المتحدة من استغلال العالم كله اقتصادياً بآليات اقتصادية وسياسية وعسكرية مستندة الى قدراتها المادية والى الآليات المختلفة التي اعتمدتها لذلك، كما استعانت بالقوة العسكرية والاحلاف السياسية.

ويبدو أن وعياً اجتماعياً بدأ يشق طريقه في العالم بمخاطر استمرار هذا الوضع وربما كان المزاج الاوروبي الساعي لتغيير النظام العالمي المالي والاقتصادي تعبيراً عنه. إن تصريحات ساركوزي عن ضرورة وضع حد لرأسمالية المضاربات والعودة لرأسمالية انتاجية منضبطة، وتصريحات وزير المالية الالماني عن ضرورة اصلاح النظام المالي العالمي وانتهاء الهمينة الاميركية عليه مؤشرات جديدة على التغير في توازن القوى في المعسكر الغربي ناهيك عن تغيره على الصعيد العالمي لصالح قوى صاعدة جديدة مثل الصين وروسيا والبرازيل والهند.

هذا هو الاساس الذي تنبني عليه فرضية انهيار النظام العالمي الجديد وانفتاح الآفاق أمام عالم متعدد المراكز. إنه يستند لوضع حد للبلطجة الاميركية في مصادرة موارد وأسواق ومدخرات شعوب العالم. عندها فقط يمكن لديمقراطية نسبية أن تشق طريقها في العلاقات الدولية وتضع قيوداً أمام العولمة الامبريالية. غير أن هذا سيترافق بتوترات جديدة على الصعيد العالمي وربما بحروب . والأخطر من ذلك أن يترافق بديكتاتورية جديدة تمارسها القوى الامبريالية.

التأثيرات المحتملة على لبنان:

يستند النسق الاقتصادي اللبناني على الحلقة المالية التي تفترض استقدام الاموال من الخارج على شكل قروض ومساعدات وتحويلات المغتربين اللبنانيين وذلك لتمويل خدمة الدين العام والانفاق الجاري. إن الأزمة العالمية ستؤدي خلال العامين القادمين الى تجفيف مصادر هذا التمويل من جراء إرتفاع أسعار الفائدة وتراجع النشاط الاقتصادي.

فإذا ما تأكد ذلك لن يبقى أمام الحكومة اللبنانية الا المصادر الداخلية المتمثلة برفع مداخيلها بزيادة الضرئب والرسوم من جهة وتخفيض نفقاتها وخاصة النفقات الاجتماعية من جهة ثانية وهذا يعني ان مستوى معيشة اللبنانيين سيتعرض لتراجع جديد يضاف الى التراجع السابق الناجم عن تدهور المداخيل والقوى الشرائية وانعدام فرص العمل.

د. مفيد قطيش

من موقع الحزب الشيوعي اللبناني


كوارث رأسمالية تهّز كوكب الأرض / سعد محيو
بقلم سعد محيو 0000-00-00

ثلاث أزمات - كوارث كبرى تعصف بالعالم دفعة واحدة هذه الأيام:

أزمة الغذاء، أو بالأحرى الجوع، العالمية.

أزمة النظام المالي الدولي.

وكارثة تغيّر مناخ الأرض.

ثمة أم شرعية واحدة لهذه الأزمات الثلاث: الرأسمالية. لكنها أم عاقة للغاية، وشريرة للغاية. فهي ترفض الاعتراف بأمومتها لهذه الأزمات، من ناحية، وحتى حين تعترف ببعض مسؤوليتها، فهي تتهرب من البحث عن حلول جديّة لها.

إلى أين يمكن أن تقود هذه الكوارث؟

سنأتي إلى هذا السؤال بعد قليل. قبل ذلك وقفة أمام طبيعة هذه الأزمات.ونبدأ مع المعضلة المالية.

«الكازينو»

الأزمة المالية العالمية، والتي استنفر قادة الدول الصناعية السبع ومعهم قباطنة المؤسسات الاقتصادية الدولية (صندوق النقد، البنك الدولي، المصارف المركزية) كل طاقاتهم لوقف تداعياتها الكارثية لم تكن، كما ادعى البعض، مجرد أزمة عابرة سببها اضطراب سوق العقار الأميركي، أو انفصال الاقتصاد المالي عن الاقتصاد الحقيقي، أو انخفاص ثم ارتفاع أسعار الفائدة، بل هي (كما قالت «فاينانشال تايمز» الرأسمالية) أزمة بنيوية سببها الأعمق العولمة النيو - ليبرالية المنفلتة من عقالها، والفجوة التي لا تني تتوسع في داخل الدول بين الفقراء والأغنياء، والتضخم الكبير في أسعار المواد الغذائية والطاقة.

رب محتج هنا: ما الجديد في كل هذا الذي يجري؟ ألم يشهد النظام الرأسمالي مرات عديدة طيلة المئتي سنة الماضية من عمره سلسلة أزمات دورية كان يخرج منها دوماً ليس فقط سالماً، بل أقوى؟ أليست الأزمات هي تعبير عن السر الكبير الذي يمنح النظام الرأسمالي طاقته الهائلة على التجدد والانبعاث من جديد «كما مع مصاصي الدماء الذين يقومون دائماً من الموت» (على حد تعبير ماركس) وهو، أي السر،: «التدمير الخلاق»؟ بعد كل من أزمات 1876، و 1929، و 1971، و 1997 - 1998 و 2001، كان النظام الرأسمالي يعاين الدورة التقليدية انتعاش - ركود - انتعاش، ويثبَت أقدامه بعدها بشكل أفضل.

كل هذا قد يكون صحيحاً. لكن الصحيح أيضاً أن الأزمة الراهنة قد لا تشبه تماماً الأزمات السابقة. كيف؟

خلال حقبة العولمة النيو - ليبرالية التي بدأت في سبعينيات القرن العشرين، مرت المراكز الرأسمالية الكبرى بعملية «لا تصنيع» أو نزع التصنيع (deindustrialization) انتقلت بموجبها الرأسمالية الغربية من الاعتماد على الأسواق المحلية - القومية إلى الشكل المتعولم الحالي من العولمة، عبر نقل الصناعات الثقيلة الملوثة إلى الصين والهند وغيرهما. وترافق ذلك مع «تحرير» أسواق المال ونزع كل القيود المنظّمة لها، مما أدى إلى هجرة جماعية للرساميل إلى «الجنّات الآسيوية»، وأيضاً إلى تقسيم عمل دولي جديد: التكنولوجيا المتطورة، والبحث والتطوير، والسلع «الخاصة» (الخدمات المالية) في المراكز الرأسمالية، والعمليات الصناعية التقليدية في الأطراف.

هذا التطور لم يؤد فقط إلى خلق بطالة واسعة النطاق في الغرب، بل أيضاً إلى توسّع هائل للأسواق المالية التي تعولمت بسرعة، فبات القطاع المالي في بريطانيا، على سبيل المثال، مسؤولاً عن نصف النمو الاقتصادي فيها، وكذا الأمر بالنسبة للقطاع المالي - العقاري في أميركا حتى العام 2006. وكلا القطاعين اعتمدا بشكل كامل على المضاربة وليس على الاقتصاد الحقيقي.

لقد قال المحللان اليساريان جون سارغيس وتاكيس فوتوبولوس إن ظاهرة سيطرة الطبقة المالية - المصرفية، حوّلت الرأسمالية من «نظام» اقتصادي يستند إلى قواعد تنظيمية واضحة، إلى «فوضى» كازينو القمار الذي يقوم على مبدأ «المخاطرة الكبيرة لتحقيق الأرباح الكبيرة».

ومرة أخرى، هذا ليس تطوراً جديداً. لكنه مع ذلك يتضمن عامل جدة في غاية الأهمية: «الكازينو» الآن لم يعد قصراً على المراكز الرأسمالية الكبرى، بل هو أصبح «كوكبياً»، أي يطال الكرة الأرضية كلها، وأزمته الراهنة تنذر بركود وربما كساد عالميين كبيرين هذه المرة.

مرة أخرى أيضاً، قد تنجح الرأسمالية بتخطي هذه الأزمة الكبرى الجديدة، بالطبع على أشلاء عشرات ومئات ملايين صغار المستثمرين وضحايا الحروب الرأسمالية المقبلة التي ستشن للخروج من المشكلة الراهنة.

عبقرية الرأسمالية

لا أحد بالطبع على وشك التشكيك بعبقرية الرأسمالية العالمية وبقدرتها الفائقة على التطور والتأقلم.

عدوها اللدود كارل ماركس نفسه لم يستطع ذلك. وهو أسبغ عليها صفات مثل «الظاهرة التقدمية»، والحديثة، والثورية، برغم تآمره لـ «دفنها في مزبلة التاريخ».

في أوائل القرن العشرين، كانت اللازمة التي تبناها معظم المحللين والمفكرين، هي أن الرأسمالية استنفدت أغراضها وباتت مثل فيل في غرفة، وأن بديلتها الاشتراكية آتية لا محالة.

لكن المفاجأة الكبرى حدثت: الفيل بقي في الغرفة، وبديله غادرها.

وفي أواسط القرن الماضي، تنبأ العديد من الاقتصاديين بأن المستهلكين لن يستطيعوا استيعاب السلع الكثيفة التي تفرزها أدوات إنتاج رأسمالية متطورة. فإذا بالرأسمالية تفاجئهم بإنتاج الرغبات قبل السلع. فهي لم تعط المستهلكين ما يريدون، بل جعلتهم يريدون ما تعطيهم. وهذا كان انقلاباً هائلاً لا مثيل له في التاريخ.

ثم في أوائل التسعينيات، ومع بروز العولمة كنظام حياة وايديولوجيا (برغم أنها ليست شيئاً آخر غير الرأسمالية العالمية بحلة جديدة)، سرت المقولة بأن الثورة الاجتماعية العالمية آتية بسبب الفروقات الهائلة بين السوبر - أغنياء والسوبر - فقراء. الفروقات حدثت، لكن الثورة لم تقع. بدلاً منها نشأت مراكز رأسمالية ضخمة جديدة في الصين والهند، ستؤسس لاحقاً لما قد يثبت أنه أكبر تجمع للطبقات الوسطى في كل الحضارات البشرية.

ما سر هذه «العبقرية» الرأسمالية؟

رد وحيد يبدو مقنعاً: تطابق أنانية الإنسان المفرطة مع «قدسية» نظام الملكية الخاصة الذي توفّره الرأسمالية. هذا بالإضافة إلى نزعة الرأسمالية الدائمة إلى التطور والتغيّر والتوسّع.

كارثة المناخ

لكن، وبعد قول كل شيء عن إبداعات الرأسمالية، يبقى السؤال: إلى متى تستطيع هذه الأخيرة مواصلة الحياة على هذا النحو الباذخ، الذي تستنزف فيه قدرات كوكب الأرض الطبيعية، وتدفع معه الطبيعة البشرية إلى أقصى حدود توحشها الأناني؟

هذا السؤال يقودنا إلى التطرق إلى الأزمة الثانية: المناخ.

الكاتب البريطاني تيموثي آش كتب مؤخراً أن لحظة الحقيقة بالنسبة للرأسمالية العالمية أزفت، بعد أن أنضبت اقتصاداتها خلال أربعة قرون وقوداً أحفورياً احتاجت الطبيعة إلى 400 ألف سنة لتخميره، وبعد أن أدى حرق هذا الوقود إلى ظاهرة تغير المناخ.

وبما أن الرأسمالية لا تستطيع تغيير جلدها، عبر التوقف عن النمو والتوسع، فالكارثة برأيه آتية لا محالة.

هذه الحقيقة دفعت الكاتب الأميركي ألان وايزمان إلى وضع كتاب بعنوان «العالم من دوننا» الذي أثار، ولا يزال، ضجة كبرى في أميركا والعالم حملت اليافطة العريضة: «كوكب أرض بلا جنس بشري».

حاول الكاتب أن يتخيّل كيف يمكن أن يكون الكوكب الأزرق إذا ما انقرض منه الستة مليارات نسمة إما بفعل فيروسة طبيعية أو مخبرية قاتلة، أو بتأثير كويكب كذاك الذي ضرب الأرض قبل 65 مليون سنة وأدى إلى انقراض الديناصورات.

الكتاب أصبح سريعاً الأكثر مبيعاً وترجم إلى 30 لغة، وتلته برامج تلفزيونية في «ناشنال جيوغرافيك» و «هيستوري تشانيل» تحوّلت هي الأخرى إلى الأكثر مشاهدة (5 ملايين مشاهد خلال شهر(.

لكن، لماذا هذا الهوس الجماهيري بتلك الفكرة الخيالية؟ سنأتي إلى هذا السؤال بعد قليل. قبل ذلك، فلنر كيف يمكن.

أول ما سيحدث حين تكون الأرض من دون بشر هو الهبوط الكبير في مستويات التلوث. فالطائرات والسيارات، والآلات الصناعية والجرارات، ومكيفات الهواء والتدفئة على الوقود، والأسلحة المطلقة للأشعة، كلها ستزول بفعل الصدأ والتآكل، مما سيؤدي إلى توقف تغير المناخ بفعل سخونة الجو. الغابات ستستعيد ما سلبته منها الصروح الإسمنتية في المدن، والأعشاب الخضراء ستستولي على طرقات الإسفلت وجدران الأبنية، والزهور والرياحين ستكون في كل مكان. المحيطات ستتطهر من أدران التلوث، وستعود الأنهار والينابيع إلى طهرانيتها السابقة.

البشر الملوثون للبيئة لن يبق منهم من أثر، سوى تلك البصمات التي ستتركها كبسولات الفضاء «فواياجير» برقائقها الإلكترونية التي تتضمن معلومات بيانية عن الحامض الجيني البشري، والنظام الشمسي، وصوراً لأطفال ومدن، و 26 تسجيلاً موسيقياً بينها «القيثارة السحرية» لموزارت. الكبسولات ستكون قادرة على البقاء في الكون لأكثر من مليار سنة، لكنها لن تكون بالنسبة لأي حضارة فضائية تعثر عليها أكثر من تأريخ لجنس منقرض وحضارة فشلت في البقاء.

لماذا هذا الهوس بفكرة أرض بلا بشر؟

ببساطة لأن البشر قد يصبحون قريباً بلا أرض، أو بالأحرى بلا قشرة الحياة الخضراء الرقيقة التي لا تعلو سوى بضعة سنتيميترات عن سطح هذا الكوكب. القلق على مصير الحياة بات حقيقة واقعة وملموسة، ليس فقط بفضل آلاف العلماء الذين يؤكدون وجود تغيّر في المناخ بسبب التلوث الاصطناعي، بل أيضاً بفعل الأعاصير والتسونومويات والزلازل التي بلغت في السنوات الأخيرة مستويات عنف غير مسبوقة منذ آلاف السنين.

الرأسمالية، قائدة النظام الاقتصادي العالمي الراهن، غير قادرة على تغيير نفسها لوقف تغيّر المناخ. لكن، هل هي وحدها غير القادرة على تغيير جلدها؟ ماذا عن الطبيعة البشرية التي ترعى ما يسميه فرانسيس فوكوياما «الجينة الأنانية» التي هي في أساس «حرب الجميع ضد الجميع»؟ أليست هذه هي الأخرى مسؤولة؟ ولو أن البشر قنعوا بأن يراكموا قدراً معقولاً من المال يكفي لتحقيق أمنهم وتأمين سعادتهم، ألم يكن هذا سيقود إلى إلغاء الفقر والعوز في العالم، وإلى أنظمة اقتصادية أكثر رحمة بالبيئة وتأقلماً معها؟

الرأسمالية لم تكن لتزدهر وتبقى لو لم تكن تطبيقاً للشعار الشهير «كما تكونون يولّى عليكم». وهذه حقيقة يجب أن نعترف بها نحن البشر ونندم عليها أيضاً. فنحن في النهاية، وجنباً إلى جنب مع الفيروسات، نعتبر المخلوقات الوحيدة التي تدمر البيئة من حولها، في خضم صراعنا من أجل البقاء.

الرأسمالية عبقرية؟

أكيد. لكن هذا فقط لأننا نحن البشر أغبياء!

عالم جائع

نأتي الآن إلى الأزمة الأخيرة: الغذاء.

الشهر الماضي عقد قادة مجموعة الثماني الكبار قمتهم المنتظرة «للبحث في إيجاد حلول لأزمة الغذاء العالمية»، كما وعدوا.

لكن، هل سيكونون قادرين على ذلك؟

حتماً قادرون. لكنهم حتماً أيضاً غير راغبين لسبب رئيس: إنهم أساساً (أو على نحو أدق النظام الرأسمالي الذي يمثّلون)، الذين اخترعوا المشكلة. هم الخصم والحكم. فهل يطلب ممن تسبّب بالداء أن يتبرع بالدواء؟

قباطنة الرأسمالية يرمون من وراء أزمة الجوع، إلى تحويل العالم برمته إلى مختبر عضوي واحد تسيطر فيه شركات البيوتكنولوجيا العملاقة على إنتاج الطعام وتصنيعه وتطويره وتسويقه. وحين ينجزون هذا الانقلاب التاريخي، ستصبح هذه الشركات أقوى قطاع في الاقتصاد العالمي، إلى درجة أن لوبيي النفط والمجمع الصناعي - العسكري فائقي القوة، سيبدوان أمامها أشبه بدكان صغير ملحق بـ «سوبرماركتها» الكبير.

هذا الانقلاب بدأ يتحقق بالفعل عبر وسيلتين: «تحرير التجارة» وإلغاء دعم الزراعة والمزارعين في العالم الثالث الذي يضم ثلثي سكان العالم، تمهيداً (وهنا الوسيلة الثانية) لجعل هذا العالم معتمداً على كل ما تنتجه الشركات من بذور معدّلة جينياً.

آثار أقدام الانقلاب مبعثرة في كل مكان. لكنها تبدو فاقعة في بلدين أكثر من غيرهما هما المكسيك والفيليبين، لأنهما شهدتا أولى نتائج تطبيق هذه التوجهات.

جوع المكسيك لا يمكن فهمه بدون تذكّر الحقيقة بأن صندوق النقد والبنك الدوليين، حوّلا البلاد من اقتصاد مصدّر للذرة إلى مستورد لها. القصة بدأت مع أزمة الديون في ثمانينيات القرن العشرين، حين أجبرت المكسيك على توسّل الدعم المالي لخدمة ديونها. الصندوق والبنك استجابا، لكن لقاء ثمن باهظ: إزالة رسوم الضرائب الحمائية، ووقف الدعم الحكومي للسلع الزراعية. الضربة التي تلقتها الزراعة بسبب ذلك كانت قوية، لكنها لا تقارن بشيء بتلك التي وجّهت لها العام 1994، حين وضعت اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (النافتا) موضع التطبيق. إذ سرعان ما اجتاحت الذُرة الأميركية أسواق المكسيك، مما أدى إلى قصم ظهر زراعة الذُرة المكسيكية، فتحوّلت حينها المكسيك إلى مستورد صاف للمواد الغذائية. وهذا كان أمراً غريباً في بلد اكتشف الزراعة قبل خمسة آلاف سنة.

القصة نفسها تكررت في الفيليبين. قبل الأزمة الحالية، كان 10 في المئة فقط من إنتاج الأرز فيها يخضع للتجارة. لكن الأسعار تضاعفت ثلاث مرات هذا العام، وتحوّلت الفيليبين فجأة من دولة مكتفية ذاتياً في مجال الأرز، الذي هو الغذاء الرئيس في البلاد، إلى الدولة الأولى في العالم في مجال استيراده، مهما كان سعره!

ديكتاتور الفيليبين السابق ماركوس يمكن إدانته بكل الجرائم، لكن ليس بينها تجويع المزارعين. فهو قدّم لهم البذور والسماد المدعوم، والقروض الميسّرة. لكن، في عهد الحكومات الديمقراطية، ولا سيما حكومة أكينو، انقلبت الآية بعد أن انضمت الفيليبين إلى منظمة التجارة العالمية العام 1995. فقد استغل صندوق النقد وقوع البلاد في براثن الديون (26 مليار دولار)، لفرض شروطه الخاصة حول «تحرير التجارة» وإلغاء الدعم. مانيلا رضخت، فكانت النتيجة أشبه بالأعاصير: جوع ومجاعة وتراجع حاد في الإنتاج الزراعي لصالح استيراد الحبوب من أميركا.

تجارب المكسيك والفيليبين تكررت في كل أنحاء العالم، والهدف الرئيس (كما أشرنا) دمج الدول النامية في نظام معولم تسيطر على إنتاج الحبوب واللحوم المعدّة للتصدير فيه شركات متعددة الجنسيات.

ومن يتحدث بإسم هذه الشركات وينطق باسمها؟

ليس أحد آخر سوى قادة مجموعة الدول الثماني أنفسهم ،الذين يعدون الآن بحل كارثة الجوع الراهنة.

إنها حقاً كوميديا مضحكة، مثيرة للبكاء!

ثورتان

الآن: إذا ما جمعنا هذه الأزمات - الكوارث الثلاث ووضعناها في أنبوب واحد ثم عمدنا إلى خضه، علام سنحصل؟

على أحد أمرين: ثورة عالمية على الرأسمالية، أو ثورة من الطبيعة على الرأسمالية وكل البشر معاً.

المرشحون للثورة على الرأسمالية كثر:

1 - القوميون الذين سيتمسّكون بدور الدولة - الأمة ووجودها، في مواجهة العولمة الرأسمالية التي تعتبر أن دور الدولة انتهى وجاء دور الحكومة العالمية. حدث هذا من قبل مع موجة العولمة الأولى في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، حين تحدت الدول القومية الجديدة البازغة في ألمانيا واليابان نظام العولمة الذي فرضته الإمبراطورية البريطانية، مما أدى إلى نشوب الحرب العالمية الأولى وانفراط عقد النظام العالمي برمته.

2 - حركات التحرر في العالم الثالث، ولا سيما في أميركا اللاتينية والعالم الإسلامي، التي ستشكل رد فعل على القسمة العالمية الجديدة بين مجتمعات ما بعد حديثة غنية وآمنة وتتكون من 20 في المئة من سكان الأرض، وبين مجتمعات ما قبل حديثة يحكمها الفقر وتسودها الفوضى وتضم 80 في المئة من الأرضيين.

3 - الحركات الليبرالية اليسارية في الولايات المتحدة، التي ستكون طرفاً رئيساً في الحرب بين الديمقراطية والرأسمالية. هذه الحركات قد تشكّل رأس الحربة في الثورة العالمية الجديدة، بسبب التراث الديمقراطي المتجذر في أميركا.

4 - وأخيراً، التيارات الفاشية التي قد تفيد من تدمير الحدود بين الدول الذي تقوم به العولمة لإحياء الروح القومية المتطرفة ضد الأجانب والمهاجرين، ولا سيما في الدول الأوروبية الغنية.

كما هو واضح، لائحة المرشحين للتمرد كبيرة وطويلة. وهي قد تزداد كبراً وطولاً مع ازدياد حال التمزق الاجتماعي الذي تتسبب به الرأسمالية العالمية في مرحلة تطورها الراهنة.

لكن مهلاً.

كل هذه القوى المعترضة لن تتمكن لا منفردة ولا حتى مجتمعة من تشكيل خطر على الرأسمالية. فهذه جابهت من قبلُ أطرافاً متمردة أعتى بكثير من تلك الموجودة الآن، على رأسها الاشتراكية والشيوعية، وسحقتها الواحدة تلو الأخرى. وهي ستنجح الآن في إخضاع القوى الجديدة سواء بقوة السلاح أو بإغراء الاستتباع.

الجهة الوحيدة التي يمكن أن تدك أسوار القلعة الرأسمالية الحصينة هي.. الطبيعة.

كيف؟

فلنتخيّل السيناريو الآتي: مسألة تغير المناخ وارتفاع حرارة الأرض يتحولان من مادة للجدل إلى حقيقة واقعة. وهذا يترجم نفسه في سلسلة مدمرة من الأعاصير والفيضانات والأوبئة والأمراض التي تفرض اتخاذ إجراءات سريعة من كل أمم العالم لوقف عملية الاحترار وإعادة التوازن إلى الطبيعة. على رأس هذه الإجراءات تطبيق ما يطالب به الآن عدد من الاقتصاديين المتنورين: وقف النمو الاقتصادي وجعله يتوقف عند العدد صفر، وتغيير النظم الاجتماعية - الاقتصادية لجعلها تعتمد على مبدأ التضامن والتكيف مع أمنا الطبيعة، لا على قيم الربح والسيطرة على الطبيعة.

هذه الإجراء، في حال حدوثه، سيكون الرصاصة الفضية التي ستصيب من قلب الرأسمالية مقتلاً. إذ لا رأسمالية من دون توسع، ولا توسع من دون نمو بلا حدود أو قيود.

لكن السؤال الكبير هنا هو: هل سيبقى هناك بشر بعد هذه الكوارث الطبيعية الزاحفة، ليقوموا بإقامة نظام عالمي ما بعد رأسمالي متوافق مع ظروف كوكبنا الأزرق؟

سؤال مخيف، لكنه محق. محق تماماً في الواقع!



سعد محيو

مجلة الرأي الآخر: ماخود من موقع البديل السوري


الأحد، 28 سبتمبر 2008

ادب المعتقلات ..قصيدة الى الرفيق بارا

صباحك صباح

فارمي العطر من شرفتك

وابدأ بالكلام

ليس نسيم الزهر كمن عبس في وجه المساء

وليس أديم الشكر كمن رش على الموت عبق الحياة

ابدأ بالكلام و بالكلام

فالكلام سر النقاء

ولا تتقزز من السمر

فان فيه متعة و شفاء

لا تكتب شعرا إنما اكتب نثرا

لترحم نقادك من الهدي ومن الوباء ..

هي مجزرة ..ترتكبها حماقات نظام

تعزز البكاء و الهراء

فسواء أرختها بأحرف أم برسم

فأنت رفيع الجزاء

زعيم كان هناك

يصلي بالناس

ويعتق الرقاب

ويشد الحبال كبحار

لا يخشى لعنة البقاء

رفيق اعتنق الجبال

ورسم من صور غيفار لحنا وضاء

اجده في كل النساء

يهجر الأوطان ويصيح :

"وطني كل الأحرار .. "

زعيم عرفته مبتسما

زوجته الحكاية

والحكاية رحلته في العطاء

رفيقي ماشكل الحياة وما سر البقاء

ما نظم الكون وما ملمح الوفاء

رفيقي خلتك لا تعرف للنوم طريقا

اراك اليوم تنام قرير العين

فرحا بالانتصار

وارى جلادك يعد الدقائق

ويحسب الساعات ويستشير السلطان

ليدفن ثورة..منبثها العزة ومنتهاها الحرية

رفيقي اتراك هائم

اتراك بين جدران السجان سائم

رايتك تطهي طعامك وتبتسم

تلك عادتك فانت تنبث الابتسامة

حتى تكاد القضبان تغتاض من سجنها

حاقدة ابتسامة المجروح وهو بين ضنك الشقاء

رفيقي ..هي حياة نهديها

نعلمها بالفعل لا بالقول

لكل متسائل عن معنى النضال

عن سر الجدال

عن محنة الاغتراب

عن سيف الانغراس

هده الجماهير لا تعرفنا

بالأسماء

ولا هي الألقاب من تدلنا

انما رحيق عبق جئنا به من موناصير

ومضينا به نحدث الناس

والناس تحدثنا

عن الصمت والكبرياء

نحن من روت بقاع الارض دماءهم

وما طاطانا وما نضبنا

نحن من علم التاريخ اسمائه وحروفه

وعلمنا الاشقياء سر الابتسامة في زمن الرياء

عبدنا الطريق وقلنا هي ثورات دائمة

نشد بها الرحال

ونضمد بها طريق الوصال

نمسي ثوار نعشي بها أحرارا

لسنا قديسين و للقدسية كارهين

ادا ما سالت عنا: رمزنا برجل قتل فأسا

ورجال سلخت جلودهم وآخرون حوكمو وآخرون اختفوا

وادا مررت بموسكو أسال محاكمها

فهي تعرفنا وتعرف أسرارنا

اسأل الذي شفر الرأسمال

ونزع الغطاء عن الإخوة الأعداء

ادا ما اعتقد احد اننا نخاف الموت

فقل للموت نحن طلابه

ناتيه من حيث لا نحتسب

نباغته ونحتضنه..

نشد وصاله ان غاب

ونميث اللثام عنه ان اخفق ادراجه

فان كان الموت مخلصا للشعوب

فنحن احراره

وان كان طريدهم فنحن سلطانه

..صباح 01-*09-2008

الثلاثاء، 9 سبتمبر 2008

" شباب أم عبيد في سوق الاستثمار؟ "

"سياسات البنك الدولي

شباب أم عبيد في سوق الاستثمار؟ "

تقديم:

اصدر البنك الدولي تقريره السنوي حول الشباب ،في سياق تحتد فيه آثار الهجوم النيوليبرالي ، وحملات إعلامية تدعو إلى تكثيف استثمار الموارد البشرية ببلدان العالم الثالث، معبرا عن أمله في أن تتمكن من توظيف نموها الديمغرافي العريض لصالح متطلبات السوق العالمية بخلق مليون فرصة عمل في أفق 2020، بالمقابل وازته تقارير دورية للعديد من المنظمات العالمية ،تشير إلى خطورة أوضاع شعوب الجنوب وانعكاسات املاءات المؤسسات المالية عليها ، حيث الأطفال و الشباب إلى جانب النساء القبلة الأساسية للاستغلال ، وبنفس القوة الدافعة للمؤسسات المالية في استثمار طاقة الشباب ، يبدي فيه البنك الدولي ومؤسساته تخوفاته من ردود أفعالهم الرافضة .

1- في البحث عن العبيد الجدد

يربط البنك الدولي في تقريره السنوي بين النمو الديمغرافي للشباب وبين احتياجات الرأسمال ونهم الشركات العابرة ،حيث يشكل الشباب و الأطفال في البلدان النامية نصف الساكنة بعدد يصل إلى 1.3 بليون ، وهي اكبر شريحة يشهدها التاريخ البشري (1) بمعدل يصل إلى 85%من الأعمار المتراوحة بين 15-24 سنة تعيش في البلدان النامية . إنها فرصة تاريخية كما يراها الرأسماليون للاستفادة من جيش احتياطي يقوم على أنقاض استقرار سوق الشغل (فرض عقد الشغل المؤقتة – تشجيع القطاعات الغير المهيكلة – تفكيك الوظيفية العمومية لصالح القطاع الخاص – تفكيك الأنظمة الاجتماعية..) ، تؤكده دراسات متعددة لخبراء صندوق النقد الدولي و البنك الدولي، تراهن على رفع الشباب المتعلم البلدان النامية لمعدل الإنتاج والدفع بعجلة الاستثمارات الأجنبية ، حيث يمثل الشباب وحده في آسيا 55.7%من اليد العاملة من أصل 633 مليون (2)يعاني اغلبهم من العمل في شروط مجحفة بالقطاعات الغير المهيكلة أو في القطاعات الزراعية ، ويعاني أزيد من90% من 40 مليون شاب في نيجيريا و زامبيا من الفقر بنفقة اقل من دولارين في اليوم ، لساكنة يعيش 75% منها بأقل من دولار في اليوم حسب إحصاءات PNUD (على عكس ما صرح به البنك الدولي بحصر العدد في 41.7%)

إنها أرقام تغري الرأسمال على المزيد من تكثيف استغلال ، ودعوة مستمرة لحكومات البلدان النامية على ضرورة إعداد يد عاملة رخيصة قابلة للتسويق تتوفر فيها شرط المرونة والمؤهلات المهنية الملائمة لمتطلبات السوق ،ودعم تنقلات الرساميل، وتخلصها من القطاع العام الذي يغطي 20%من الناتج الإجمالي المحلي في البلدان النامية و في دول الخليج يصل إلى 80%، متهمة إياه بالعجز عن خوض غمار الاستثمار وفشله في تقديم إجابات للإشكالات الاجتماعية الناتجة عن أزمة الدين ، ممهدة لإصلاحات جديدة(خوصصة- تفكيك القوانين ومختلف الضمان الاجتماعي –ضرب استقرار الشغل- تحرير أسعار الصرف -...) . ترمي إلى سحب دور الدولة الراعية لحقوق الأفراد و الجماعات وربطها بتطورات تنافسية السوق. وتبني إصلاحات في الوعاء الضريبي ، مما يزيد في تعميق الفوارق الاجتماعية، و قد سبق لمؤسسة فريدريك ابيرت الخيرية أن نشرت دراسة(3) بعدما قام صندوق النقد الدولي دراسة على أصداء سياساته " تؤكد أن المنافسة على خفض الضرائب تؤدي إلى خفض إمكانات الحكومات على الاستمرار في تمويل متطلبات التكافل الاجتماعي "تناولت هي الأخرى انعكاسات العبء الضريبي على النفقات الاجتماعية ،خلصت إلى :

· تبني ضرائب تصاعدية و اقتطاعات متصاعدة في التامين الاجتماعي والصحي أثقلت كاهل الأسر العاملة ودوي الدخل المنخفض.

· تشجيع التهرب الضريبي لدوي الدخل المرتفع ودوي المشاريع يساهم في إضعاف الميزانيات العامة

· تعميق الفوارق الاجتماعية: في 1960 شكلت الضرائب على أجور العاملين 12% في حين بلغت اليوم 33% في مقابل انخفاض الضريبة على أرباح الشركات من 34%إلى 18% .

أطلقت بعد إقرار الحكومات التبعية الفاسدة لعجزها عن تدبير أزمة اقتصادياتها ، حملة عمليات ضخ هائلة للأموال المرتدة ، تتجه من الشمال إلى الجنوب وأيضا العكس من دلك (4)،همت بالضرورة إجراء إصلاحات هيكلية على المعاملات التجارية وإقرار إلغاء التعريفات الجمركية في شكل استثمارات أجنبية ، بلغت سنة 2006في إفريقيا 36مليار حيث سجل تراجع حصتها من الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي 3,7%مقارنة مع سنة 2005 بنسبة 3,1%، إلا إن هده التدفقات العالمية للرأسمال عكس ما يدعيه البنك الدولي في توفير فرص عمل قارة ، لم تعمل إلا على مراكمة البلدان الشمال للأرباح، بالنظر إلى ما تحوله الحكومات النامية إلى بلدان الثالوث الغنية في إطار خدمتها للديون الخارجية و التزاماتها بخفض النفقات العمومية ، بلغت 240ملياردولار ما بين 1995و2001، ، وهي العملية التي يصطلح عليها إيريك توسان ب" دوامة الديون الجهنمية " (5)في حين أبدى منها التقرير الصادر عن الاونكتاد تخوفاته " من حيث ميلها إلى اتخاذ أفق زمني قصير نسبيا ، وقد أثار دلك بعض المخاوف ، وبخاصة فيما يتعلق بحل الشركات المشتراة و تسريح العاملين فيها " حيث تعمل على ضرب استقرار سوق الشغل – استدامة عطالة اليد العاملة وجعلها جيش احتياطيا يهدد مكتسبات الطبقة العاملة وتكبيل أسلحته النقابية ، ويمثل شباب بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اكبر معدلات البطالة بنسبة تصل إلى 47%من عاطلي العالم و بنسبة 40%من اليد العاملة النشيطة، تحثل النساء فيها نسبة 25.1%اغلبهن يعانين من التمييز و استغلال الشركات المتعددة الجنسية المفرط لقوة عملهن عبر العمل المزدوج في القطاعات الغير المهيكلة والخدماتية و القطاع الزراعي (حسب إحصاء ود في تقرير اللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة يشتغل 60%من اليد العاملة بإفريقيا في قطاعات زراعية غير مهيكلة) أي بمعدل فرصة عمل لكل من أصل ثلاثة متنافسين ، في شروط تنعدم فيها الحماية القانونية ، لما تتضمنه الاتفاقية الدولية حول الاستثمار MAI ،بحق الشركات العالمية الكبرى مطالبة الحكومات بتعويض مالي جراء حصول خلل في نشاطها حتى وان ارتبط الخلل بإضرابات عمالية مشرعة دستوريا..تنتج عنها ثلاثة عمليات تمهيدية لاستقبال الرساميل المتنقلة (6):

1- تفكيك القطاع العمومي وميل القطاع الخاص إلى التخفيف من ثقل أعباء اليد العاملة .

2 - تفكيك المقاولات المحلية(تمثل قطاعات المانيفاكتورا و النسيج14 % من الناتج الداخلي الخام في البلدان النامية ). وإعادة هيكلتها على أسس تبعية للشركات الكبرى ومكثفة لاستغلال قوة العمل ، ومشجعة الإجراءات التعسفية و التسريحات الجماعية

3- تفكيك الميزانيات العامة بالحجر على خلق فرص الشغل الجديدة و الامتناع عن تعويض الخصاص المهول في المناصب الشاغرة بفعل التقاعد والوفيات و المغادرات الطوعية أو المبنية على اتفاق تعويض ....بمناصب بديلة .

وهكذا يمضي البنك الدولي في نشر أوهامه للأجيال القادمة من الشباب حيث يتوقع أن تصل أعداد العاملين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى 104مليون سنة2000 وإلى 146مليون عامل في أفق سنة 2010 و إلى 185مليون عامل في أفق 2020 يشترط فيهم التعليم الموجه ، وتتبدد الادعاءات باستحضار شريط تطور العمالة في المنطقة و في العالم بالنظر إلى انعكاس تفكيك القطاع العام لصالح القطاع الخاص وما صاحبه من تفكيك لقوانين الشغل وتطور عمليات الإجهاز على مكتسبات الطبقة العاملة ، أهمها تدمير فرص الشغل القارة ، تدمير صناديق التقاعد و الضمانات اجتماعية، في اتجاه مستقبل يمنع أي مراقبة مؤسساتية دولاتية على قانون الشغل ، بل تحولها بمبدأ الاتفاقيات الدولية إلى شرطي يضمن نجاعة الاستثمارات ، على حساب التسريحات الجماعية وعدم تضمين لوائح الضمان أو التامين الاجتماعي بلوائح العمال الغير مصرح بهم ، كما أن ميول الشركات الكبرى إلى الاستغلال سيتهدد أجور العاملين و سيدفع في اتجاه خلق مناصب شغل بالمداومة.

. إن حقيقة البنك الدولي لا تختلف في شيء عن صندوق النقد الدولي حيث ينطبق عليه ما صرح به الاقتصادي ستيغليس : "لم يعد الصندوق يخدم مصالح الاقتصاد العالمي بل صار يلبي مصالح عالم المال ".

وهو ما يفسر وجهة الشركات العابرة للقارات صوب القطاع الخدماتي و الصناعي لما له من مردودية في الربح ، وحث الدولة للتخلي عن مباشرتها للقطاعات العمومية ، بدعم من صندوق النقد الدولي لما له من قوة وتأثير كتوظيف آلية الديون للضغط على الأطراف المستدينة ، ومن جهة أخرى تمكن الاتفاقيات المصادق عليها باسم منظمة التجارة العالمية (7)، من منع أي إمكانية لاتخاذ الحكومات الإجراءات الاحترازية حتى وان تهدد استقرارها الاجتماعي ،وهكذا ثم فرض في ظرف وجيز 147 تغيير وتعديل على السياسات العامة بغية فتح الأسواق المحلية في حين قارب عدد الاستثمارات الدولية5500 اتفاق سنة 2006 من بينها 2573معاهدة استثمار ثنائية و 2651 معاهدة ضريبة مزدوجة ، و 241اتفاقا للتجارة الحرة ، بالتالي سجل في عام 2006 تسارع عمليات إنتاج السلع والخدمات خارج منشأ ل 78000 شركات عبر وطنية يقابلها نفس العدد لفروعها الأجنبية بنسبة 18%، بنسبة 10%من الناتج المحلي الإجمالي العالمي حيث تحتل الشركات المتعددة الجنسية ذات المنشأ بالولايات المتحدة الأمريكية أهم رصيد في الاستثمارات الخارجية. جعلت كبير اقتصاديي UNICTAD هاينز فلاسبك يتنبأ إلى أن " التحرير السريع للأسواق سيؤدي بالنسبة للمصانع الحكومية على وجه الخصوص إلى نتائج مدمرة " انطلاقا من كون هده الأخيرة كانت تشغل 47%من اليد العاملة في التسعينيات.

2- التعليم والتكوين المهني ومتطلبات الاستثمار الأجنبي

تشير الإحصائيات إلى أن نسبة المتمدرسات في الطور الإعدادي يغادرن التعليم بشكل ملحوظ ، تجاوز في الهند نسبة 84الى 96% ما بين 1998و2002 ، كما يشير التقرير الصادر عن البنك الدولي إلى أن 130 مليون شاب ما بين سن 15-24 يجهل القراءة و الكتابة، مما يدفع البنك الدولي إلى التأكيد على ضرورة تأهيل التعليم ليكون في خدمة السوق ، والتأكيد على ربطه بمتطلبات السوق حيث تعاني أكثر من 20 في المائة من الشركات العاملة في بلدان مثل الجزائر وبنغلاديش والبرازيل والصين واستونيا وزامبيا من ضعف مؤهلات العمال لديها وتعتبره "عقبة رئيسية أو شديدة أمام عملياتها." تتسع قاعدة المتعلمين لتصل إلى مليار سنة 2000 تتوزع بين 80مليون طالب و 70 مليون مدرس بنفقات تصل تكلفتها إلى 2000مليار سنة 2002بما يعادل 5%من الناتج الداخلي الخام العالمي.

تحدد مجموعة التعليم التابعة للبنك الدولي مهامها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إستراتيجية عملها على تحقيق(8): (ا) الاستكمال الشامل للتعليم الإجباري الجيد النوعية؛ (ب) معايير أداء للإنجاز الخاص بالتعلم تتيح التنافس الدولي؛ (ج) فعالية النظام التعليمي في تكوين رأس المال البشري ينشئ تلاحما اجتماعيا لدعم تنمية مجتمعات أساسها المعرفة؛ (د) معلومات تتصف بالشفافية حول التعليم؛ (ه) أساس مالي قابل للاستمرار للتعليم.

وفي ترجمة عملية مصاحب لهده الأهداف يرى فرانسوا بورغينون، النائب الأول لرئيس البنك الدولي لاقتصاديات التنمية ورئيس الخبراء الاقتصاديين،أن اغتنام اللحظة التاريخية من شأنه إتاحة :"فرص عظيمة ما دامت لدى البلدان قوة عاملة أكبر حجماً تتمتع بمستوى مهارات أعلى ولديها عدد أقل من الأطفال. ولكن ينبغي إعداد هؤلاء الشباب إعداداً جيداً حتى يمكنهم من العثور على فرص عمل جيدة."وهي نفس الغايات التي أسطرها البنك الدولي سنة 1995حينما وجه اهتماماته إلى التعليم العمومي قائلا: "ستستمر البلدان التي ستعتمد إطارا قانونيا للتعليم الجامعي من شأنه فتح المجال بشكل أكبر أمام تدخل القطاع الخاص في الحضي بالأولوية".(9) إنها عبارات توحي إلى ما لضرورة نبد أي سياسة تعليمية مستقلة لفلسفة السوق العالمية وتوجهات المشركات المتعددة الجنسية في تسليع الثقافة و الفكر و المعارف الإنسانية .

تأتي هده التصريحات ليس بهدف تنشئة جيل متعلم حامل لقيم إنسانية كونية، بل انطلاقا من الضرورة الملحة لرفع الإنتاجية إلى أقصى معدلاتها بنسبة تصل إلى 1.3%.سنويا ، تجعل الجيل المتعلم أكثر قدرة على التأقلم مع كافة الأوضاع الاقتصادية و التطورات التكنولوجية في تكثيف آلة الإنتاج و تخفيض الكلفة (تعاني 88%من العاملات في شركة أمريكية نقلت إنتاجها إلى اندونيسيا من سوء التغذية واضطهاد الحقوق تنتج أحدية لا تتجاوز قيمتها 12سنتا ليعاد بيعه ب80 دولار أمريكي في الولايات المتحدة).في حين سيجد أبناء المعدمين و الفقراء أنفسهم خارج أي إمكانية للتعليم العمومي بفعل التراجع عن مجانيته أو إفراغه من أي مضمون حقيقي يهدف إلى تربية الأجيال على قيم الاستقلال، "لم يبق للسلطات العمومية سوى تأمين التعليم لمن لا يشكلون سوقا مربحة حيث ستتعرض نسبة كبيرة منهم للإقصاء من المجتمع بشكل عام..."(10)

إزاء منطق الأرباح هدا ، تكالبت المؤسسات المالية لتسن قانونها الجديد القاضي باعتبار التعليم سلعة تستوجب إلغاء الدعم الحكومي الذي يصل متوسطه العام ع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ما يعادل 5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي ، عبر سلسلة من الاتفاقيات الدولية (11):

1- منظمة التجارة العالمية (OMC): GATT 94 (الاتفاق العام حول التعريفات الجمركية والتجارة): تخص ميدان البضائع.- ADPIC (مظاهر قوانين الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة).- AGCS. تصنف الخدمات ضمن لائحة من 12 فئة يحتل التعليم فيها الرتبة الخامسة ويطلب من الدول الأعضاء أن تقدم طلبات لتحرير أكبر عدد ممكن منها مع الالتزام بتفعيل ما تنص عليه الاتفاقية ..

2- البنك العالمي: يسطر البنك العالمي في وثيقة له سنة 1998 قدمها خلال المؤتمر العالمي لليونسكو حول التعليم الجامعي، الإجراءات اللازم إتباعها: إلغاء الحواجز القانونية ونزع الضبط من أجل تسهيل عملية التحرير: - تشجيع تموين القطاع العام من طرف القطاع الخاص. - تحميل جزء من النفقات للمستفيدين (رسوم التسجيل بالنسبة للتعليم الجامعي). - التخفيض من الإعانات العمومية (إلغاء منح التعليم العالي).

3- ـ منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE: عمل خبرائها على تفعيل قوانين AGCSمن خلال دفع الحكومات على تحمل التخلص من نفقات القطاعات العمومية : نقل ، خدمات ترفيه ، تعليم ، صحة ، سكك حديدية نتجت عن هده السياسات .

إن هده السياسات اظافة إلى الواقع المتردي للسياسات التعليمية المتبعة ، أدى إلى إهدار للموارد البشرية وضرب لاستقرارها وجعلها عرضة للتخبط بين المناهج التربوية الغير المتكافئة مع قيم السوق وبين متطلبات التنمية البشرية الحقيقية ، بين ما يشير إليه التقرير الصادر عن البنك الدولي و الذي ينصح : " دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن تتناول نوعية النتائج التعليمية ومعالجة عدم التناسق في المهارات الذي تساهم في خلق اختلالات في سوق العمل " حاصرا الخلل في " المركزية المفرطة في إدارة التعليم و التقييم النادر للأداء و الترقية المعتمدة على الأقدمية لا على الأداء" وبين سياساته المعتمدة في التقليص من النفقات العمومية وتسليعها حيث تعتبر الشركات الكبرى أن سوء مهارات العمال يؤثر في توظيفهم و في مردوديتهم الإنتاجية .

4- إفريقيا الديون: تنمية اجتماعية أم انفتاح على سوق مدمر:

أ- إن الحديث عن تنمية اجتماعية حقيقية فيها جودة الخدمات العمومية، مبنية على دعم القطاع الخاص من خلال الانفتاح على الأسواق الأجنبية،واستمرار الدولة في تخفيض الميزانيات العمومية لم يزد إلا في تعميق الأزمات الاجتماعية وانعكاسها (12) على ساكنة بلغ معدل نموها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 3.4%سنة 1985 لينحصر في 2.2% في منتصف التسعينات ، بمعدل ارتفاع لليد القادرة على العمل ستصل إلى 40%في أفق 2020 ،في سياق يحرم فيه مائة وثلاثين مليون طفل يشكلون 50 في المائة من السكان بنسب تمثل ثلث أطفال العالم من التلقيحات الأساسية ضد الأمراض الفتاكة ،تضطر فيها العوائل المعوزة اصطحاب المواد الأساسية للتطبيب في مستشفيات اقل ما يقال عنها أنها أوكار للأمراض بحد ذاتها ، كما يضطر فيه 42%ساكنة مدغشقر إلى قطع خمسة كلمترات للوصول إلى مراكز الاستشفاء ، بتكلفة في تصل في زيمبابوي إلى 257% التطبيب والمعاينة ،وتفقد فيها النساء وليدها من أصل 5 ولادات بالمقارنة مع الدول المتقدمة 1مقابل125 وليد..، ، هدا وقد ارتفعت حالات الإصابة بالكوليرا سنة 1999 إلى 200.000حالة وبائية تسببت في وفاة 8700 شخص وفقد العالم 22مليون شخص نتيجة مرض فقدان المناعة المكتسب في حين بلغ عدد المصابين 40مليون مصاب بالفيروس 75% من إفريقيا جنوبي الصحراء،يستلزم العلاج للفرد الواحد 300دولار سنويا .تسبب مرض الملاريا في سنة 2000بموت 900.000 شخص بإفريقيا من أصل مليون من ضمنهم 700.000 طفل دون سن الخامسة.

وفق تقرير أعدته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لإفريقياECA تشهد إفريقيا نزيفا من حيث هجرة الأدمغة بلغ هجرة 23 ألف عالم إفريقي سنويا إلى ما وراء البحار ،كما خسرت ثلث العاملين دوي المهارات الفكرية و تعاني من خصاص شديد على مستوى الاساتدة الجامعيين ، كما أن معدل الشباب - حسب منظمة اليونسكو – المسجل في التعليم الثانوي بإفريقيا جنوب الصحراء يعد ضعيفا ، كنتيجة لسياسات التقويم الهيكلي التي حورت مهام التشجيع العلمي و دعمه المادي و الاستعاضة عنه بضبط التوازنات المالية و الضغط على ميزانيات الإنفاق العمومي إلى حد الانفجار. كما أن إفريقيا تنتج مايقارب70% من المواد الأساسية الخام دون إعادة معالجتها.

ب- بالرغم من نتائج سياسات التقويم الهيكلي الكارثية(على مراكز الاستشفاء و الرياضة ودور الثقافة والشباب و المؤسسات التعليمية والترفيهية ...).لا زال البنك الدولي يصر على الحديث عن طفرة في معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة بنسبة 5,6% مقابل 3.6%في التسعينيات ، وعن غد أفضل يكون فيه الشباب الدافع بعجلة الانفتاح على الاقتصاد العالمي ، وقد سجلت الإصلاحات المعتمدة في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أعلى نسبة من الإصلاحات(13) بلغت 25 إصلاح في موسم 2006-2007 احتلت فيه المرتبة الرابعة بعد أوروبا الشرقية واسيا الوسطى وجنوب آسيا ، تناولت تبسيط إجراءات بدء النشاط التجاري، وتدعيم حقوق الملكية، وتعزيز وسائل حماية المستثمرين، وزيادة إمكانية الحصول على الائتمان، وتيسير الأعباء الضريبية، وتسريع وتيرة التجارة عبر الحدود وتخفيض تكاليفها. وبصفة عامة، جرى اعتماد 200 إصلاحٍ ذي أثر إيجابي في 98 بلداً ،حصلت فيه مصر التي تعاني اليوم أزمة اقتصادية خانقة على أعلى نسبة من الاصلاحات حيث عملت على تخفيض الحد الأدنى لرأس المال اللازم لبدء النشاط التجاري من 50 ألفاً إلى ألف جنيه مصري و تخفيض رسوم تسجيل الملكية من 3 في المائة من قيمة الأملاك العقارية إلى مبلغ ثابت ومنخفض ، وقد استطاعت مصر الوفاء بالتزاماتها اتجاه مؤسسات بروتن وودز الموقعة سنة 1991 والقاضية بالتخلص من النفقات العمومية حيث لم يحض قطاع الصحة في ميزانية سنة 1995 سوى ب 1.4%مقارنة بميزانية 1966التي احتلت فيه 5.1% ، و بلغ معدل وفياتها من الأطفال 69الف سنة1999، لتليها اندونيسيا التي بلغت 42 الف حالة وفاة ، في حين يحاول المغرب اليوم عبثا المضي في سياسات الاصلاحات الكبرى ، حيث قام بإنشاء مجمع الخدمات الموحد لإصدار تراخيص البناء، مما أدى إلى اختصار فترات التأخير بالنسبة لشركات البناء بواقع 10 أيام. كما قام بتبسيط إجراءات التخليص الجمركي عن طريق تبني نظام التفتيش المستند إلى المخاطر.

إن هده الإصلاحات وغيرها تدعي المؤسسات المالية أنها ستكون مدخلا أساسيا في تحقيق تنمية مستدامة عبر : التحوّل من اقتصاديات يهيمن عليها القطاع العام إلى اقتصاديات يقودها القطاع الخاص، ومن اقتصاديات يهيمن عليها النفط إلى اقتصاديات مُنوّعة، بغرض تحقيق معدلات نمو مرتفعة في:

- تنمية الموارد البشرية وتامين مستقبل الأطفال.

- تحقيق الاستقلال الذاتي للشباب وتامين مستقبلهم الفردي.

- تحسين الخدمات و المعارف .

ج‌- في الوقت الذي يربط فيه البنك الدولي تحسين أوضاع الشباب بالإجراءات الحكومية في تشجيع استقبال الاستثمار الأجنبي ، تكون الديون من جهة أخرى الأغلال المسيجة لقدرات الشعوب في التنمية الحقيقية ، و المعرقل لأي محاولة لضمان الحد الاذنى من شروط الحياة، فعلى مدى سنوات من السياسات العنصرية ،عملت الرأسمالية العالمية على ربط سياسات الحكومات الفاسدة باختياراتها الدموية ،فكلما اتجهت الشعوب نحو تحسين أوضاعها الاجتماعية واستثمارها لمواردها البشرية، ، كلما سعت المؤسسات المالية إلى ضمان تبعيتها وارتشاء حكوماتها بالديون للحد من استقلاليتها:(14): ففي سنة 1960 كانت ديون بلدان العالم الثالث تقارب الصفر بعد عشر سنوات بلغت 2.5ملياردولارثم 38 مليار سنة 1980تستحود الجزائر وحدها13.5ملياردينا 41%منها بالدولار .أما المغرب فقد وجد نفسه أمام دائنيه ملتزما بتسديد ديون توزعت بين 52%من العملة بالدولار و26%فرنك فرنسي سيسدد ثمنها الأجيال الحالية و القادمة .

ح‌- إن التطلع إلى نمو اقتصادي شبيهة بما بعد الحر ب العالمية الثانية أصبحت مستعصية حتى على البلدان الصناعية ، وهو ما يؤكده هورست افهيلد (15)" تذكرنا تصرفات علماء الاقتصاد و السياسة الاقتصادية و الصحافة المختصة بالشؤون الاقتصادية بعرقوب ومواعيده ، فهؤلاء جميعا يترقبون من يوم إلى آخر بشائر ازدهار النشاطات الاقتصادية ..مطمئنين أنفسهم الأمل في أن يحل انتعاش النشاط الاقتصادي المشاكل الرئيسية الناجمة عن انتقال بعض المصانع إلى خارج البلاد وعن تفاقم البطالة و المديونية الحكومية أشبه ما يكون بتنفيذ الوعد الذي قطعه عرقوب على نفسه "من ثم فان البطالة أضحت لا تتهدد مجتمعات البلدان النامية فقط بل حتى الصناعية ، وكلما اتجهت الحكومات المتقدمة إلى بلورة سياسات رفع المستوى المعيشي لأبنائها كلما اتجهت نحو تقنين الهجرة و نقل مؤسساتها الصناعية و الإنتاجية إلى البلدان النامية للحد من تسرب اليد العالمة و للمزيد من تكثيف الاستغلال باجر اقل و يد عاملة غير مقننة ومتاحة وهو نفس التأكيد الذي أعلنته منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية OECD حيث أشارت إلى أن معدل البطالة يرتفع بموازاة مع تحرير التجارة العالمية : ارتفع في دول الأعضاء من متوسط يتراوح ما بين 8 إلى 10 ملايين عامل بين سنة 1950و1973 الى متوسط تراوح بين 30و35 مليون عامل في فترة 1995و2000، بمعنى أن معدل البطالة ارتفع من 7 ملايين إلى 28 مليون في نفس الفترة. في حين ارتفع بشكل صاروخي في البلدان النامية غداة تفكيك الوظيفية العمومية وتجميد الأجور وتفكيك قوانين الشغل لصالح القادمين الجدد من رؤوس الأموال المتنقلة و الغير القارة في بلد ما ، وحسب الخبراء فان بعد أربعين سنة لن يكون في وسع البلدان المتقدمة استقطاب يد عاملة مهاجرة ادا ما أرادت ضمان استقرارها الاجتماعي وضمان الحد الأدنى من الرفاهية لأبنائها ، انطلاقا من كون مبرر الحاجة إلى يد عاملة قد انتهى بتحويل المعامل و المصانع و الشركات الى عقر البلدان النامية التي لا تضمن حقوق مواطنيها .وهو ما يؤكده التقرير الصادر عن منظمة العمل الدولية IAO الذي رصد ظاهرة تشغيل الأطفال و الشباب من قبل الشركات المتعددة الجنسية .

في المقابل تستمر الحكومات الإفريقية في تبني سياسات ضد شعوبها ، وتنظيم قمم ومشاورات ومبادرات لا تعكس مشاريع عمل اقتصادية واجتماعية مستقلة (16)لم يكن خلف مضامينها إلا ما ورد في البنك الدولي حيث تتخوف جنيفر كلر كبيرة مؤلفي تقرقر البنك الدولي 2006 من عدم استثمار فرصة النمو الهائل في اليد العاملة " من حيث معدلات النمو وخلق فرص العمل اللازمة في العقدين القادمين من السنين. ولذلك، من المهمّ جداً فهمُ ما إذا كانت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقوم بتنفيذ التصويب اللازم في التوجّه للتصدّي لهذه التحدّيات".وهو ماعكسته اتفاقيات الشراكة الإفريقية من خلال : ضمان التنمية المستدامة عبر شراكة المجتمع المدني – محاربة الفقر- وقف تهميش أفريقيا في مسار العولمة وزيادة اندماجها في الاقتصاد العالمي على نحو كامل ومفيد حيث جرى سنة 1994' تخفيض الفرنك الافريقي مقابل الفرنك الفرنسي ب 50%مما انعكس سلبا على البضائع حيث اصبحت قيمتها مضاعفة ،... بل تتكفل الدول المستقبلة للرساميل : بإنهاء الصراعات و السلام والأمن من اجل المزيد من تخصيب أرضية استقبال تدفقات الاستثمار إلى بلدانها – تكريس الديمقراطية المؤسسية – سن سياسات التعاون الإقليمي فيما بينها - إصلاحات السياسات وزيادة الاستثمار في القطاعات التالية: الزراعة – الموارد البشرية – البنيات الأساسية – تنويع الإنتاج و الصادرات- البيئة .

د- في سنة 1998 نهج البنك الدولي سياسة دعم المنظمات الغير الحكومية بشروط ضمنية :- العمل على تفعيل برامجه- رفع معد التنمية البشرية – مساعدة الحكومات في مهامها الاجتماعية – التسويق لإعلام العولمة المأنسنة- إنسانيا – بلغ عددها حسب 3500 منظمة سنة 2004 (17) تقدم الدول الغنية لها مساعدات حكومية الهدف منها الرفع من معدل التنمية البشرية ، والمساهمة في بناء مجتمع مدني ، و التخفيف من حدة الفوارق الاجتماعية وضمان الاستقرار الاجتماعي من خلال صيغة محاربة الفقر بهدف إعانة الدولة على الانسحاب من النفقات العمومية بشكل تضمن الجمعيات الخيرية و التنموية الكفة المعدلة للتوازنات ، في حين إن ما اصطلح عليه مساعدات هو في حقيقته شكل آخر من الديون الغير المباشرة ، لا تحتسب مجانا إلا أن فوائدها رمزية ومشروطة ب : الارتهان بشروط المساعدة أي الانضباط لسياسات التقويم الهيكلي – شرط الديمقراطية وهو شرط وهمي بالنظر إلى أن القروض في غالبيتها لا تمنح إلا للحكومات الموالية و التبعية ..ويرى غابي ماير (18) انه كلما توافرت في إفريقيا شروط النفوذ إلى السلطة كلما اتسعت حظوظ تحسين الأوضاع الاجتماعية للنافدين ، وهكذا فقد جرى في كينيا غداة تولي جومو كينياتا الحكم ، ارتفعت أسهم المتطوعين في جمعية GEMA مهتمة بقضايا التكافل الاجتماعي .

المراجع :

1-التقرير الصادر عن البنك الدولي لسنة 2007حول التنمية بسانغفورا حول التنمية و الجيل الثاني : يقول ماني جيمينز، المؤلف الرئيسي لهذا التقرير، ومدير وحدة التنمية البشرية في إدارة شرق آسيا والمحيط الهادئ بالبنك الدولي.

2-تقريرالامم المتحدة المتعلق بالشباب 2006 حسب إحصاء 2005.

3- دراسة لكلاوس شيفر نشرتها مؤسسة فريدرك ابيرت الخيرية في 1998.

4- كتاب خدعة الديون لمؤلفيه إيريك توسان و داميان مييه : مطبعة دار الطليعة الطبعة الاولى

5- تقرير البنك الدولي سنة 1995

6- تقرير البنك الدولي مجموعة التعليم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على موقع Permanent URL for this page: http://go.worldbank.org/JUN6DUCEV0

7- تقرير الاستثمار العالمي لسنة 2007الصادر عن مؤتمرالامم المتحدة للتجارة والتنمية : الشركات عبر الوطنية و والصناعات الاستخراجية والتنمية

8- تقرير ممارسة أنشطة الأعمال 2008 : وهو الخامس في سلسلة من التقارير السنوية التي يصدرها البنك الدولي بالاشتراك مع مؤسسة التمويل الدولية. تجدر الإشارة إلى أن تقرير ممارسة أنشطة الأعمال 2008 يقوم بترتيب 178 بلداً في قائمة سهولة ممارسة أنشطة الأعمال. أنجز بالاعتماد على جهود أكثر من 5000 شخص من الخبراء المحليين - ومستشاري الأعمال والمحامين والمحاسبين والمسؤولين الحكوميين والأكاديميين البارزين حول العالم http://www.doingbusiness.org

9- تقرير البنك الدولي سنة 1995

10- تقرير البنك الدولي سنة 1996

11- للمزيد من الاطلاع اقرأ مقال: المدرسة العمومية في مهب العولمة : صدر بجريدة المناضل العمالية العدد 16مايو 2007.

12- eric toussaint :banque mondiale le coup d etat permanent

agenda cache du consensus de washington edition CADTM 2005 page120-274

13- العمل و النمو وإدارة الحكم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا : أطلاق القدرة على الازدهار : صادر عن مؤسسة البنك الدولي http://go.worldbank.org/JUN6DUCEV0

14- damien millet:l afrique sans dette editions CADT:juin 2OO5page 43

15- هورست افهيلد ::"اقتصاد يغدق فقرا"بالاعتماد على مؤلفه سنة 1993" رفاهية لا احد ينعم بها" إصدارات عالم المعرفة العدد 335يناير2007 ترجمة عدنان عباس علي ص 38

16- الشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا مؤتمر القمة السابع والثلاثون لمنظمة الوحدة الأفريقية في لوساكا، زامبيا، في تموز/يوليه 2001أنشأ الأمين العام مكتب المستشار الخاص لشؤون أفريقيا لزيادة الدعم الدولي للشراكة.

17- في عام 1999، نشر مكتب المنسق الخاص لشؤون أفريقيا قائمة دليل للمنظمات الغير الحكومية

18- مقال لغابي ملير نشر بتاريخ 21-10-2002 غداة تقديم مراجعته لكتاب " المجتمع و الدولة في إفريقيا " ل غيرهارد هاوك.



ادب المقاومة و المقاومين

صورتي
مراكش, في كل نقطة حمراء, Morocco

موجة حر

موجة حر
تستمر حملة التضامن مع بارا ابراهيم المعتقل : كاتب المجموعة المحلية لاطاك افني